به رجل واحد، فقد تعددت المذاهب الأدبية في تلك البلاد، وصار من الواجب أن يلتفت إليها عدد كبير من الباحثين ليسجلوا ما فيها من خصائص ذوقية وأدبية واجتماعية
ولو لم تفاجأ (الرسالة) بغلاء الورق، لكان في تنفيذ الاقتراح الذي قدمته إليها في صيف سنة ١٩٣٩ ما يغني المدرسين المصريين من التعب في تعرف الاتجاهات الأدبية بالأقطار العربية؛ فقد كنت اقترحت أن تصدر (الرسالة) أعداداً خاصة تصور ما بتلك الأقطار من المذاهب الفكرية والأدبية، وتعرف المصريين بأحوال إخوانهم في بلاد لا يعرفون من أخبارها العقلية غير بوارق تنقلها الجرائد والمجلات من حين إلى حين بأسلوب قد يصل في الإيجاز إلى الإخلال
وأنا لم أبتكر الاقتراح الذي قدمته إلى (الرسالة) في صيف سنة ١٩٣٩، فقد استوحيته من العدد الممتاز الذي أصدرته مجلة (العرفان) عن مصر، والعدد الممتاز الذي أصدرته مجلة (المكشوف)؛ وهما عددان يفصلان الأحوال الأدبية والاجتماعية في مصر أجمل تفصيل، فإلى هاتين المجلتين أقدم أطيب الشكر وأصدق الثناء
ثم رأيت أن أبدأ بالكلام عن الأدب الحديث في العراق، إلى أن أستعد للكلام عن الأدب الحديث في سائر البلاد العربية، فماذا وجدت؟ وجدت المهمة أصعب مما تصورت، لأن العراق الذي عشت فيه وتعرفت إلى ما عند أهله من آراء وأهواء ونوازع وميول، يحتاج إلى دراسة دقيقة تستنفذ أوقاتاً لا أملك منها غير سويعات قصار أسترقها استراقاً من العمر الموزع بين أعباء ثقال أخفها الجهد إلى أواجه به قرائي من يوم إلى يوم أو من أسبوع إلى أسبوع
فهل أحجم عن مواجهة هذا الموضوع الجليل إلى أن أجد الوقت المنشود؟
سأتوكل على الله وأتحدث عن الأدب العراقي في الحدود التي يسمح بها جهد المقل، وجهد المقل غير قليل. وسيكون الغرض تصوير أدب العراق في أشخاص شعرائه وكتابه بأسلوب يجمع ما تفرق من مذاهب الأدباء بتلك البلاد، إلى أن تسمح الظروف بإعداد كتاب شامل عن العقلية العراقية في العصر الحديث، والله سبحانه هو الموفق