وبجانب هذا الفضل في جعل اللغة العربية لغة التدريس في جميع العلوم كان فضل آخر هو الحرص على إحياء الأمجاد العربية والإسلامية، فأكثر الشوارع وأكثر المنشآت لها أسماء عربية وإسلامية، وأغرم الناس هنالك بمقاومة الألفاظ الأجنبية، لتصبح لغتهم جديرة بالمطمح الذي يتسامون إليه وهو إحياء عهد الرشيد
يضاف إلى هذا وذاك حرص العراق على الاتصال بجميع الأمم العربية، أو الأمة لعربية - كما يعبر الأستاذ أبو خلدون - ولذلك الاتصال ألوان مختلفات، فهو يتابع جميع الحركات السياسية في البلاد العربية، ويتابع ما يجد فيها من تطور الآداب والفنون، ويسره أن يقال إن له فاعلية في إحياء التمدن العربي الحديث
وخلاصة القول أن بداية النهضة الأدبية في العراق تؤرخ بثورة العراقيين على الحكم التركي، ثم تؤرخ بجعل اللغة العربية لغة التدريس في عهد الاستقلال
الأدب المجهول
وهنا نقف وقفة قصيرة نشير بها إلى لون من الأدب العراقي تصح تسميته بالأدب المجهول، وهو الأدب الشعبي، الأدب الذي لم يدون، ولن يدون بعد أن صارت اللغة الفصيحة هي الغاية التي يسعى لتأييدها جميع أدباء العراق
فذلك الأدب الذي يتناقله الناس هناك من بلد إلى بلد قد صور طوائف كثيرة من أحلام القلوب، وأوهام العقول، وهو الشاهد على أن العقل العراقي لم يذق طعم الغفوة برغم ما مر بالعراق من أحداث وخطوب تعصف بمنابت الأهواء والآراء
روافد الأدب العراقي
يقال أن الأدب المصري الحديث قد انتفع من اتصال أدباء مصر بالآداب الأوربية، وهو قول حق، فمصر قد نقلت عن أوربا أكثر ما صدر عن أدبائها ومفكريها من المذاهب العقلية والاجتماعية، وقد تكون مصر أول أمة عربية عنيت عناية جدية بنقل آراء أهل الغرب إلى أهل الشرق، ولعلها أول أمة زودت الغرب بعلوم الشرق في أزمان الحروب الصليبية