أقليدس وأرخميدس، وغير ذلك كثير، فكان لهذا الاقتباس أثره في نضج العلوم والأفكار واتساع محيط الحياة العقلية عند الشرقيين. ولاشك أن العصر العباسي في التراث الشرقي يعد العصر الذهبي من الناحية العلمية والأدبية والفلسفية. وقد ظهر طابع هذا العصر في الشعر والأدب والعلم والفلسفة، وفي تعدد العلوم وظهور علوم جديدة، كالطب والكيمياء والصيدلة والجغرافيا والموسيقى والفنون الجميلة. فهذا الطابع يدلنا على أن ازدهار الحياة العقلية في التراث الشرقي في ذاته كان مقترناً بالاقتباس عن الحضارات الأخرى
انتهى هذا العصر الذهبي بسقوط الدولة العباسية، أو بعبارة أخرى بسقوط بغداد في يد التتار سنة ٦٥٦ للهجرة (١٢٥٨م) وجاء العصر المغولي، ثم العصر العثماني، وفيهما أصاب التراث الشرقي الركود ثم الجمود، وتبع ذلك وقوف حركة التقدم. نعم إن قرائح العلماء والأدباء في الشرق قد استمرت في الإنتاج إلى ابتداء العهد العثماني، ولكن مما لا شك فيه أنه منذ الفتح العثماني لمصر سنة ١٥١٧ قد وقفت حركة التقدم تماماً، فكسدت العلوم، وانحط الأدب، وجمدت القرائح، وتراجعت العقول، وانقضت نحو ثلاثة قرون والشرق في تأخر من الناحية العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ بينما الغرب قد أخذ بأسباب الحياة والنهوض فسبق الشرق عدة قرون في النضج العقلي. فبديهي أنه عندما ابتدأ الشرق يستفيق من سباته العميق في نهاية القرن الثامن عشر كان لابد أن يقتبس من الغرب ما سبقه إليه في خلال القرون المتعاقبة؛ لأن العلوم والآداب والاكتشافات والاختراعات قد ضاعفت تراث الغرب بحيث لا يستطيع الشرق أن يأخذ قسطه من الحياة العقلية إلا إذا اقتبس عنه خير ما أنتجته قرائح علمائه وفلاسفته وأدبائه في خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن. فمثل الشرق في ذلك كمثل التلميذ الذي يقعده المرض أو الكسل عن متابعة الدرس والتحصيل زمناً ما، فإذا عاد إلى الدرس كان مضطراً إلى أن يأخذ عن أساتذته أو عن مؤلفاتهم ومذكراتهم ما فاته في مدة المرض أو الكسل لكي يصل إلى مستوى أقرانه في المدرسة
ولم يتردد الغرب حين بدأ عهده بالبعث والنهوض في أن يقتبس عن التراث الشرقي حضارته وعلومه؛ فقد نقل علماؤه فلسفة ابن رشد ودرسوها واقتبسوا منها، وكانت ينبوعاً لليقظة العلمية في الغرب