وسط مناظر طبيعية. أما المناظر الطبيعية نفسها فإنها وإن كانت معروفة في الفن الإيراني، إلا أنها لم تصل إلى الدرجة التي تكون فيها كفرع مستقل من فروع التصوير، فلم تصبح أبداً مرآة تنعكس فيها أعمال الإنسان، بل كانت تمثل فقط صورة لأحد المناظر. وكانت للمناظر الطبيعية في الصين هذه الدلالة، بل وأكثر من ذلك، فإنها كانت محاولة للتعبير عن صلة الإنسان بالكون، وبما أن الكل أعظم من الجزء، وحياة الإنسان جزء من الطبيعة، لذلك نرى أن الصينيين ينزلون تصوير المناظر الطبيعية في أعلى منزلة بين فروع التصوير. وهذا الاختلاف في طبيعة الفن يأتي من الاختلاف في تكوين عقلية الشعوب. فعند الإيرانيين، كما هو الحال عند الأوربيين في أغلب الأحيان، نجد أن الإنسان وأعمال الإنسان هي الموضوع الرئيسي الذي تعطى له أهمية خاصة، أما الطبيعة فتبقى فيما بعد ذلك، ولا تدرس لنفسها)
وفي هذا المعنى يقول الأستاذ بوب والدكتور أكرمان ما يلي: (الحديقة موضوع رئيسي في كثير من الفنون الإيرانية. . . وقد أدى استعمال لوحات القاشاني المباني إلى إمكان تحويل مبنى بأكمله إلى مجموعة ذات ألوان بهجة من الزهور، تكون كتلة واحدة مع الحديقة ذات الزهور الحقيقية التي يقوم المبنى في وسطها. . . وقد تركت الديانة الزردشتية الحياة في الآخرة غامضة ومبهمة؛ أما الإسلام فقد كان صريحاً في ذلك ووعد المتقين بحياة خالدة في جنات النعيم
ويقول الأستاذ بوب وقد كان معروفاً أن الإيرانيين لم يباشروا أبداً تصوير المناظر الطبيعية الخالصة، ولكن لا يكاد المرء يكون نظرية في أي فرع من فروع الفن الإيراني حتى يظهر اكتشاف جديد يقضي على هذه النظرية، وقد وجد الدكتور أجا أوغلو في استانبول اثنتي عشرة غاية في الإبداع والجمال، من المناظر الطبيعية الخالية من أية صورة آدمية
وقد نشر الدكتور محمد أجا أوغلو تسعاً من هذه الصور وهو يقول عن تصوير المناظر الطبيعية ما يأتي:
(وإذا حكمنا بما وصل إلينا من الصور إلى الآن، نجد أن تصوير المناظر الطبيعية لم يعالج كفرع قائم بذاته من فروع التصوير في إيران. . . . وليس هذا معناه أن تمثيل الطبيعة كان غريباً على الفنانين الإيرانيين، فقد كانت المناظر الطبيعية والمباني في أشكالها