أجل ذلك نقول إن الملكة الأدبية لاصقة بكل حاكم وكل أمير وكل طامع في الشهرة بالمنثور والمنظوم؟
ومن الخطأ أن نزعم أن أبا العلاء قد عكف على التفكير لأنه لم يظفر بالملك والإمارة؛ فإن التفكير ليس بالمنحة (الاحتياطية) التي تجود بها الطبيعة على من فاتته المنح الأُخرى، ولكنها منحة أصيلة من رزقها فكر ومن لم يرزقها لم يفكر وإن أراد. وغاية ما هنالك أن المفكر المتكبر المحروم يمثل حرمانه في آماله ودخائل وجدانه شوقاً إلى الغلبة والبأس والولاية، وهو شوق لا يعد من الملكات ولا من النزعات التي يقاس عليها في غير هذه الحال.
وجملة الرأي أن حاجة الحاكم إلى الفكر كحاجة كل عامل اليه، فلا يلزم من ذلك أن يشتغل المفكرون بجميع الأعمال لأن جميع الأعمال تحتاج إلى تفكير.
على أن الحكم إلزام والفكر إقناع، وإذا بلغ الإقناع مداه ألزم الحاكمين أن يستمعوا له فكان سلطة فوق السلطة في هذا المقام.