ولقد أساء الناس فهم معاني الحرية كما أساءوا فهم الاختلاط والدعوة إليه، وجر ذلك إلى عدة شرور. وليس من شك أن الحرية من مطالب النفوس عندما يشكو الناس من نظم اجتماعية تحول بينهم وبين الحقوق الفطرية التي وهبت لهم لتأدية رسالتهم في العمران. وقد ينزع الطير المحبوس لحريته، ويحن للهواء الطلق والأجواء الواسعة، لأن في الحبس تعطيلاً لأجنحته التي سواها الله للطيران، وتتدرج بممارسته لكمال وظيفتها. وقد ينزع الشعب المقهور للحرية التي ضيقها عليه القاهرون لينعم بعزته القومية المسيطرة عليه، ويطمئن إلى عاداته وآماله المحببة إليه، ويستغل ثروة بلاده ونتائج كسبه ومسعاه. وقد يطلب المتبادلون المنافع في أسواق التجارة حرية البيع والشراء ليجد كل من الطالب والعارض ما تتحقق به حاجته ومصلحته وأجره. وقد يهيم المؤلف والكاتب والخطيب حين يصدقون بطلب الحرية لاعتقادهم أن في دعوتهم عوناً للخير والحق. وعلى الجملة قد تطلب الحرية كأداة صالحة يستعين بها المرء لأغراضه العليا من الخير والكمال. فما هي إذن تلك الأغراض العليا التي يقصد النساء إليها ويتخذن من الحرية لها أداة صالحة؟
أما إذا كان طلب الحرية ليصبن من العلم ما يصقل نفوسهن ويقوم أخلاقهن، فلا يمانع في ذلك أحد؛ فطلب العلم الذي تتكمل به النفس فريضة على الناس جميعاً. وإذا كان الباعث على طلب الحرية هو القيام بما ينتفع به المجتمع حين يحتاج لنشاط نسائه، فليس من ينكر عليهن تلك الحرية حين يقتضيها الحال وتدعو إليها الظروف. لكن إذا طلبت المرأة حريتها لغير ما ينفع، كما لو أرادت أن تلبى داعي النزق لتلهو بمخالطة اللاهين، وكما لو اتخذت من الحرية ما يستخدم لهجران بيتها لتأنس بالملاهي والمزارات والتسكع في الأسواق، وكما لو أرادت أن تتخذ من الحرية مطية للتبرج رغبة في الزهو بنفسها والغرور بزينتها، فليس من أحد رشيد يرضي عن حرية تركب للعبث والشطط.
لقد أبيح للكثرة من نساء الغرب تمشياً مع سوء فهم الحرية أن يتعرفن بمن شئن من الناس ويختلطن بالرجال بمحض اختيارهن حينما يشأن طوعاً لحقهن في الحرية، أو اعتماداً على ثقتهن الموهومة بأنفسهن؛ وقد يحاكيهن في ذلك بعض نسائنا في هذا العصر، وفي بعض الطبقات مطوحات بأنفسهن بعيداً عن مألوف العرف المصري والإسلامي، غير مكترثات بما قد يجر إليه هذا الإمعان في الاختلاط من مفاسد خلقية ومن أثر سيئ في بنية الأسر