الجامعة. وعلى الجملة ضروب المجتمعات التي تخلط بين النساء والرجال، وإثمها أكبر من نفعها لو أن لها نفعاً مذكوراً عند من يحسنونها وينزلقون إليها.
وإذا صح أن بعض ما ذكرت من هذه المجتمعات يخلو مما أشرت إليه من المساوئ ويؤدي إلى فوائده المزعومة من جر الاعتبارات الجنسية إلى عالم النسيان، فإنها تضعف من المرأة عاطفة الحياء، وتوهن في الرجل عاطفة الغيرة، وفي إضعاف عاطفة الحياء خسارة كبرى في المرأة، فإن الحياء زينة لها؛ وفي إيهان غيرة الرجل خسارة كبرى على الرجولة وحماية الأسرة.
ولعل قاسم أمين يخشى أن يتجاوز الناس حدود المعقول فيما دعا إليه من الاختلاط حين دعا إليه بعد أن تجاوزوا حدود المعقول في العزلة فقال:
(والذي أراه في هذا الموضوع هو أن الغربيين قد غلوا في إباحة التكشف للنساء إلى درجة يصعب معها أن تتصون المرأة من التعرض لمثارات الشهوة، ولا ترضاه عاطفة الحياء)
وهكذا ظلت حركة اختلاط المرأة بالرجل تنمو سريعاً وتشيع إلى أن أصبحت الفتاة التي كانت أمها من نيف وثلاثين عاماً لا تستبيح نفسها الاتصال ببعض المحارم أصبحت هذه الفتاة ترى الاتصال بالرجل للسمر والتسلي حقاً من حقوقها، وليس في الحرص على ذلك من عار ولا تأثيم.
ومن المقرر أن الاختلاط بين النساء والرجال إذا قام على غير مقتضياته الضرورية الجادة، وكان مبعثه اللهو والترف، فإنه لا يلبث أن يقوض دعائم الأمم. وفي تاريخ الرومان شاهد على ذلك:
(فلما دعاهم داعي اللهو والترف إلى إخراج النساء من خدورهن ليحضرن مجالس الأنس والطرب، فخرجن خروج الفؤاد بين الأضالع، فتمكن ذلك العنصر المهاجم وهو الرجل لمحض حظ نفسه، من إتلاف أخلاقهن، وخدش طهارتهن، ورفع حيائهن حتى صرن يحضرن التياترات، ويغنين في المنتديات، وساد سلطانهن حتى صار لهن الصوت الأول في تنصيب رجال السياسة وخلعهم. فلم تلبث دولة الرومان على هذه الحالة حتى جاءها الخراب من حيث تدري ولا تدري).