يهذب من المظاهر، ويعمل على ترفيع النظرات، وترقيق الآداب. وحقاً أن تلاقي النساء بالرجال في الحدود التي تقتضيها حياة التعاون والعمران من شأنه أن يجر إلى عالم النسيان كل الاعتبارات الجنسية.
فالفلاحون الذين يتلافون في الحقول مع الفلاحات لاستغلال خيرات الأرض، إنما يجتمعون اجتماعاً طبيعياً لمقتضيات نافعة قاهرة فيتلاقون بدافع هذه المقتضيات ويفترقون عند انعدامها. والمتبادلون من الناس في المتاجر، إنما يتلاقون لحاجة وينصرفون عند انقضائها، والمتلاقون في المعابد قد يجتمعون رجالاً ونساء لأداء حق من حقوق دياناتهم.
وعلى الجملة، فإن في دواعي الاختلاط الطبيعي الذي يتحقق لدوافعه الداعية ما يعين على ترويض النزعات الجنسية للاستقرار في مكامنها، والوقوف عند حدودها التي تحول دون كل مكروه.
التوسع في الاختلاط وأضرار ذلك
لكن الناس قد توسعوا في هذا الترخص واستباحوا لأنفسهم أن يحوزوا مجتمعات الجد الطبيعية إلى مجتمعات هازلة مصنوعة من شأنها أن تؤدي إلى تحريك الانفعالات التافهة والشهوات الوضيعة والمواقف المرذولة أكثر مما تؤدي إلى ما تزكو به العقول، أو تترفع به النفوس، أو تتحقق به فائدة من فوائد الحياة.
فقد يزدحم النساء والرجال في مجتمع من مجتمعات الشاي أو الخمر (الكوكتيل) فلا يلبث هذا المجتمع أن يتحول إلى معارض التزيين والأناقة، والى مضمار للتأنق بالأقوال الرخيصة، وبذل التظرف المصنوع، واتخاذ الابتسامات المنافقة. وإذا كان لبعض النساء من وسائل الزينة ما ينحدر في المرتبة عن زينة الأخريات، فسرعان ما تنبض القلوب بالغيرة والحسد، أو تدق دقات الزهو الأجوف. وإذا كان في هذه المجتمعات من يعوزه يقظة الفضيلة، وصلابة الخلق، فثم النظرات المسمومة، وثم الأحاديث المهيئة لنزعات السوء ونزعات الشيطان، ومن ثم فضائح لغواية، ومآسي الغيرة، وما قد يجره ذلك من الكوارث في هدم سعادة الأسر.
وإذا ذكرنا مجامع الشاي وحفلات الخمور، فلنضف إليها ما هو أسوأ منها أثراً من منتديات الميسر، والمراقص، والرحلات المشتركة، ومسارح التمثيل الخليع، وحمامات السباحة