التقاليد التي أثقلت كواهلهم وكواهل عدة أجيال من آبائهم وأسلافهم.
وأما من حذروه، فكانوا يعتقدون أن للمرأة صفات نوعية تتميز بها عن الرجل، وأن مسلكها وتقدمها ينبغي أن يساير ما انتزع عن فطرتها من الصفات، وألا يتعدى دائرة ما اختصتها. به الأقدار، وألا يخرج عن الميدان الذي يتحقق فيه فوزها في كفاحها الحيوي، ويتجلى فيه إنتاجها في الوجود؛ وهؤلاء يقررون على نحو ما يقول الأستاذ فريد وجدي:
(أنهم ليسوا بدعاة إلى ظلمة القرون الأولى، ولا بمروجي خطة أسر المرأة، بل طلاب كمال يناسب كرامة الإنسانية، ورواد مدنية حقة يقوم عليها الإنسان غير خائن لأمانته، ولا غاش لنفسه)
على أن دعوة قاسم كان لها الفوز على دعوة معارضيه، ولم يكن تحذير المحذرين من بعض ما لا يرضون من نتائج هذه الدعوة بمعوق لها عن الانتشار المتواصل السريع، وذلك لأنه حركة النهوض المصري كانت تشتعل في شتى ظواهر الحياة الاجتماعية من نيف وخمسين سنة. وكان لابد لها أن تمتد إلى الأسرة وتتصل إلى المرأة التي هي دعامة البيت وركنه الركين.
وعلى ذلك سايرت دعوة قاسم مجرى الحياة الاجتماعية المندفعة للرقي، وفسح للمرأة طريق معبد في النهضة العامة، وفتحت لها أبواب التعليم، ونظمت القوانين لمصلحة النساء؛ وعلى الجملة سارت النهضة النسائية في بداية أمرها مؤيدة بالحق يشجعها كل ميال لرؤية المجتمع المصري يسير من السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن.
الانحراف
لكن بينما كانت تسير نهضتنا النسائية في مجراها الصافي إذ شابها ما يعكر شيئاً من صفائها برغم أنها صدرت عن نبعها الأول، ومن دعوة قاسم، نقية طاهرة، فتحول خروج النساء من عزلتهن عن أن يكون وسيلة يسوغها شرف الغاية ليكون غاية لذاته، أو وسيلة لغاية وضيعة. ولعل من أشد العوامل التي أضعفت قيمة الاختلاط بين المرأة والرجل وسوأت خروجها عن معزلها الذي ظلت فيه طويلاً هو انتشار بعض الآراء دون أن تفهم على وجهها الصحيح، ودون أن تنضج في فهم من تخطفوها وتلقفوها؛ ومن هذه الآراء ذهابهم إلى أن الاختلاط بين النساء والرجال وتوالي المجامع التي يتلاقون فيها من شأنه أن