للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مخارجها بالدقة، وعدم لفظ الكلمة واضحة. ومن الأصوات المسموعة في مصر ما يطرب ويمكن الافتنان فيه، وبين الملحنين والعازفين مهرة ليس يستحيل عليهم التفوق على أنفسهم، وإنما المعول كل المعول على فهم حقيقة الفن ومقاصده، بدل القناعة بوسائله.

ولسنا نقول إن المسلك الذي ننصح بسلوكه يغلب الوراثة وأثر البيئة واستقرار العادة، فيغير الحال في الساعة، لكنه مهما كان شأنه فهو مؤثر، وعامل من عوامل التطور؛ أو هو كالدواء الذي يوصف لذي علة لا برء منها، فقد لا يخلو من نفع للمعلول إذ الطبائع متفاوتة والشذوذ قد يوجد في بعضها، ولأسرار الطبيعة مفاجآت، ومحاولة الاهتداء خير من الاسترسال في الضلال، وكل ما يبلغ غاية، له بداية.

هذا وإن المقدمة الموسيقية تليها التقاسيم بالمعازف، فالليالي فالموال فالأدوار، نظام لا بأس به؛ على أن تقديسه والتزامه في كل حفلة لا يوجبها الفن كما يتوهمون، بل أن تحسينه واجب. ولم لا تقام حفلات كبيرة مخصوصة بالموسيقى وحدها وهي مطربة إذا جادت، وفي البلاد ألوف العازفين والمحبين لها؟ وفي الغرب قاعات مخصوصات بها مشهورات تكتظ من المستمعين. ولم يصغرون شأن البشرف والتوشيح في حفلاتهم فلا يغنون هذا كله ولا يعزفون ذاك بأجمعه؟ ولم لا يحاول أحد منهم أن ينشئ شيئاً يماثلهما، أو يبتكر أنواعاً أخر إن استطاع؟

إن موسيقانا لم تدرك شأو غيرها إذ عجزت حتى الآن عن التصوير وليس يعقل أن التصوير مستحيل في الموسيقى الشرقية؛ لأن الموسيقى الغربية مثلها، لها سلم ومقامات ونغمات، ولها الأقيسة الزمنية والإيقاع، ولها الأساليب الصوتية تعبر بها عن الأحاسيس تعبير الأساليب البيانية؛ والأحاسيس جميعاً موطنها النفس، وشأن النفس واحد في الإنسان أينما كان؛ والموسيقيان كاللغتين العربية والفرنسية، مثلاً، اللتين فيهما المجاز والتشبيه والاستعارة والكناية والمحسنات البديعية، وأوجه البلاغة، لوحدة المصادر البشرية من الفكر والمخيلة والمشاعر، بل بينهما أوجه شبه في النحو والصرف؛ وقد كانت موسيقى الغربيين ومعازفهم بسيطة، كموسيقانا ومعازفنا، فتناولوهما بالتحسين حتى ارتقيا إلى مرتبة التصوير الذي تفوقا به منذ عرفوا تركيب الأنغام في زمن معاً، أي في إيقاع واحد، وإخراج الصوت الآلي من طبقته الضيقة، أو من الجزء الضعيف في زمنه، وإنشاء الجملة الغنائية تسمع

<<  <  ج:
ص:  >  >>