بعيد الجملة الأساسية في انسجام وئتلاف معها فأي شيء في الموسيقى الشرقية يمنع من تقليد هذا الفن؟ إذن لا يقول بأن التصوير مستحيل فيها إلا جهول كسول. والرأي للمشتغلين بالغناء والموسيقى عندنا أن يجدوا في ترقيتهما معتقدين أن الموسيقى ستبلغ، أو سوف تبلغ، مرتبة التصوير العالية؛ وإذا أتجه نظرهم إلى مظنة وسيلة للترقية فتعرفوها واستخدموها ارتقوا بفنهم درجة، وطمحت أبصارهم إلى ما فوقها.
ونحن، بحمد الله، عندنا الناي كالفلوت، والفانون كالبيانو (وقد استصنع بعضهم بيانو فيه ربع المقام (إياه) فصنع)، وطبلة كطبلة، والكمان، في وسع الموسيقيين أن يستعينوا الصناع على تحقيق أغراضهم بتحسين المعازف على الوجه الملائم لما يتفرسون من وسائل الإصلاح، أو باستحداث ما يعوزهم من الآلات بدل ادعاء الابتكار والتجديد والتفوق بلا حق.
فإذا نحن أردنا أن نخرج موسيقانا من حالها البدائية، أو طورها الأول الذي ما برحت عاربة فيه، فلابد من أن نأخذ في نسج ثوب موشى لها - ثوب التصوير، وهو غير التوافق بين الألحان وأصوات المغنين.
ومتى تيسر التصوير، وتميزت أصوات المغنين بحدود طبقاتها وألوانها، وتبينت نسبتها إلى المعازف، وبدأ التلحين بوحي النفس الحرة من التقليد، الطليقة من قيد القوالب، البريئة من السرقة، أمكن أن يرتقي الغناء المسرحي بمصاحبة الموسيقى، وأن يقدم أصحاب الفن وشعراء المسرحيات إلى الجمهور أوبريت قم أوبرا - كوميك، ثم أوبرا جيدة ليس شك في أنها تطربه وتعجبه وإن لم يستسغ ما قدم إليه حتى الآن بهذا العنوان من خليط مستغرب، ومسمى يتبرأ منه اسمه.
وليتهم على الأقل يزيدون المعازف إلى ثلاثة أضعاف العدد المعتاد لكل نوع منها في الجوقة، ريثما يهتدون إلى التصوير، فإن ذلك يقوى العزيف فيحسنه فيما نرى تحسيناً متواضعاً أفضل من لا شيء، لكنه لا يكون من الإصلاح المنشود.
ألا أن الجهل والاقتصار في الاشتغال بهذه الفنون على استرزاقها لا يوصلان إلى شيء مما ينبض بها؛ ونهضتها، يوم يتحقق، إنما يكون ثمرة التطور في ضوء العلم والثقافة؛ على أن الأمة تتقدم إذا قام كل جيل من أبنائها بما عليه من حمل أعبائها مسافة على طريق