ولما اقتسمنا دموعَ العيونِ ... تفردتُ بالدَّمعة القاسيهْ
فلا هي تسكنُ شِعب الجفونِ ... فتخفى ولا هي بالهاميهْ
أطلتِ رُنُوِّكِ نحو السماء ... وأطرقت راهبةً خاشيهْ
فهل تبحثين عن الغائبين ... ومن غاص في اللجة الطاميهْ
فرابتْكِ ضفَّة هذي الحياة ... وخِفْتِ من الضِّفَّة التاليهْ
فنُحتِ وصحتِ النجاةَ النجاة ... وأين النجاةُ من الهاويهْ
هنالك لا النور ضافي الجناح ... ولا الطير صادحة شاديهْ
خَلَتْ من بهارج هذا الوجود ... وأحلامه الحلوة الزاهيهْ
سوى موجةٍ من بنات السماء ... تحومُ بأرجائها عاريهْ
يُشِعُّ على جانبيْها الخلودُ ... وما ضَمَّ من صُوَرٍ ساميِهْ
كأن عليها إطارَ النَّعيم ... وغِبْطَتَهُ اللذَّةَ الشَّافِيَهْ
حنانَيْكِ لا تسبْحَي في الدموع ... ولا تَرْهبي الراحةَ النَّاجِيَهْ
فما إنْ تَقِي من إسارِ الرَّدَى ... إذا حُمَّ يومُ النوى واقِيَهْ
وليسَ تَرُدُّ عليكِ الدموعُ ... سوِى حزُقْةٍ مُرَّةٍ وارِيًهْ
ورُبَّتَ أُمْسيَّةٍ بَرَّةِ ... ترِفُّ بها الذِّكَرُ القَاصيَهْ
جلسْتُ على جَنَباتِ الغدير ... أُشَيِّعُ أموَاهَه الجاريهْ
أُرَدِّدُ أشعاريَ النَّائياتِ ... واستَقبلُ الفكَرَ الآتيهْ
وتشدُو الطيورُ أغاريدَها ... فألقطُ من فمِها القافيهْ
وَدِدْتُ من الغَيب كُلَّ الوداد ... لو أنيَّ لأشعارها راويهْ
ويُوحى المَساءُ إلى خاطري ... هوَاجسَ غامضةً خابيَه
موَشَّحَةً بِطُيُوفِ العَفَاءِ ... كأنَّ بها جِنَّةً بادِيَهْ
فأُصغِي إلى همْسِهِ المستَطَاب ... وأسمعُ ألحانَهُ الخافِيَهْ
أعُبُّ لذَاذاتِه الطَّافحاتِ ... وأكْرَعُ سَكْرَتَهُ الصَّافيهْ
وأنسى مَتاعبَ هذا الوجود ... وعِيشِتَه الوَحْشَةَ الجافيهْ
وغيبوبة مثل كهف النُّسور ... تضيع بها الأنفسُ الرائيهْ