الموت أنفساً عزيزة علينا في ذاتها عزيزة علينا لأن بلادنا قلة منها، بل وتشكو أرضنا القافلة والبوار حيث لم تجد من يعمرها فيجيها ولا من يثتثمرها فيغنيها.
قدمناها إلى الموت أنفساً كان في حياتها للبلاد نماء وثراء، وقدمنا إلى الموت أنفسا كانت لأهلها أملاً ورجاء. وقدمنا إلى الموت أنفسا كانت للنزلاء عوناً وسخاء ولجاراتها ذخراً لدى البلوى وبهجة في الخير والسراء.
قدمناها لتحمي ذمار الإنسانية وليلقى عدوها من أيدي أصحابها بلاء ونكالاً ما داموا أحياء، ولينوء - إن ماتوا - ملطخاً بدمائهم وهي على وجهه عاراً ولأبنائه شناراً.
أما هم ففي موتهم خلود، وفي موتهم فخار، وفي موتهم حياة. خلود لأسمائهم وبلادهم وحياة للإنسانية الطاهرة التي لا ترضى أن تسود الفوضى ويتحكم الطغيان.
ففي ذمة الله من مات ولينم في خلده منعما بما حفظت له البلاد من يد هي سندها يوم أن تجلس الأمم لمطالعة الحساب وهي باقة عبقة نقدمها لأبناء الإمبراطورية يوم يزف لهم النصر الأخير.
وأنتم أيها الجرحى فلتهنئوا بما متعكم الله به من أوسمة لا تخلع وبما حمدته لكم البلاد من بلاء لا يجحد. إذ أنكم أقمتم الدليل على أنكم لم تهابوا الموت ولم ترحموا العدو حتى تقاكم بما عطلكم عنه أياماً نرجو ألا تطول لتتمكنوا من العودة إلى حيث تسهرون عينه وتطيرون لبه؛ فلا يقوى على حمل السلاح ليتقيكم به، بل يتقيكم بما يكف أيديكم عنه (وهو الاستسلام) لأنكم لم تقصدوا تعذيب بني البشر وإنما قصدتم أن تهزموا الشر الذي كان قد استحوذ على النفوس فأغواها وأضلها عن السبيل السوي والخير المشترك.
(الخرطوم)
عبد الله عبد الرحمن
جريدة (الإصلاح) في عامها الخامس
دخلت جريدة (الإصلاح) التي يصدرها بالسنبلاوين الأستاذ عبد الفتاح قنصوه في عامها الخامس، وهي أتم ما كانت استعداداً، وأصدق ما تكون اجتهاداً، وأبصر بالغاية التي تتوخاها منذ أنشئت، وهي علاج الأدواء الاجتماعية بالحكمة الهادية والموعظة الحسنة،