كاملات، أو رجال مغفلون. . . ومع هذا هل أنا في حاجة إلى دليل جديد؟ دمرت حياتي وانتهى كل شيء)
وقضى النهار ضالاً لا يقر، بترد الألم في صدره مع أنفاسه، وعاد مع الأصيل إلى البيت فوجدها أسوأ حالاً وأشد هزلاً. وأقبلت عليه حماته تسأله أين كان، وتقص عليه ما قال الطبيب، فلم ينفذ شيء من قولها إلى صدره وعاف الرد عليها بتاتاً، بل لذله أن تقول أن الحالة سيئة، فلتتألم كما يتألم، ولكن كيف يفهمها أنه يعلم كل شيء؟ كيف يحادثها في هذا الموضوع الخطير وأمها لا ترضى بمفارقتها في مثل تلك الحال الخطيرة؟. . . واشتد به الحنق، فاعتزم أن يمنع عنها الدواء ليعاودها الهذيان سريعاً فيسمع منه ما امتنع منه سماعه في اليقظة؟ وملأ الفنجان ماء خالصاً ووضعه على فم المريضة فازدرته بامتعاض. . . وعاد إلى فراشه يرقب الفرصة، ولكن زوجه لم تنم في تلك الليلة ولم تهذ واشتد عليها الألم الموجع فباتت تئن وتشكو وتضطرب. واستدعى الطبيب عند منتصف الليل فعاينها ولكنه لم ينصح بشيء، وهمس في أذنه بأن الحالة جد خطيرة. . . وبعد هذا التصريح بنصف ساعة احتضرت المريضة وفاضت روحها.
وخلا إلى نفسه، وكان الذهول مطبقاً على حواسه جميعاً؛ لأن الموت والخيانة الزوجية انتظما تجاربه الشخصية معاً في ساعة واحدة دون عهد سابق بهما. وماتت نعيمة ولم يحزن لموتها، ولكن حادثة الموت أذهلت نفسه الرقيقة المرهفة؛ على أن الحقيقة لم تغب عنه فقال:(لم تمت كما يظنون. . . أنا قتلتها. . . قتلتها لأني منعت عنها الدواء ليلتين متواليتين هما أشد ليالي المرض. . . فأنا قتلتها. . .) وجعل يردد (أنا قتلتها).
فكان يشعر لها بوقع غريب في نفسه يمتزج فيه الخوف بالارتياح ثم قال مرة أُخرى:(وقتلتني هي حياً، وألصقت أسمي قسراً بطفلة إنسان سواي. . . ولكني قاتل فلست إذن مغفلاً). وأسند رأسه إلى يده وراح في تأمل طويل وقد سرت في جسده قشعريرة البرد والخوف.
كيف انقضت الأيام التي أعقبت الوفاة؟. . . انقضت في ألم وقلق ومخاوف لا يمكن أن تتمثل لعقل إنسان، ثم أعلن عن رغبته فجأة في السفر إلى لبنان انتجاعاً للصحة والراحة، وكان في الحق يفر من أفكاره وطفلته. ومضى إلى الإسكندرية واستقل السفينة، والظاهر