وفي الإنسان: في روحه ونفسه، وفي صلة جسمه بروحه، وفي مستقرها ومستودعها، بما نقل عن فلاسفة الإغريق خاصاً بالمبدأ الأول للكون وبنشأة الكون عنه، وخاصا بالأفلاك وبالنفس الكلية التي هي نفس العالم وبفيضها على النفوس الجزئية، كما مال فريق آخر من هؤلاء القدماء إلى شرح الآيات الكونية بما عرف لبطليموس وأقليدس من فلاسفة اليونان الطبيعيين والرياضيين.
وكما ادعى فلاسفة المسلمين الأولون ممن فلسفوا العقيدة أن تفلسف العقيدة وشرح حقائقها بالآراء الفلسفية وسيلة من وسائل تقويتها وعنوان على تطابقها مع الفلسفة اليونانية، وفي ذلك إبراز لكمال العقيدة، لأن الحكمة اليونانية - هكذا ظن أو اعتقد هؤلاء الفلاسفة من المسلمين - تمثل أعلى درجة من المعرفة وارفع مرتبة من الفضائل. يدعي كذلك بعض العلماء المعاصرين المفلسفين للعقيدة أن تفلسف الدين إبراز له في ثوب ملائم للعصر وموافق لأهم مظاهره - وهو مظهر العلم - وبذا يقرب من نفوس الخاصة المثقفة من المسلمين، ويقرب كذلك من إفهام بعض العلماء الغربيين الذين أساءوا إليه عن (جهل بحقيقته)، وفي الوقت نفسه يبرهن على (صلاحيته لكل جيل وزمان).
والإنسان الحديث ربما يسر لهذا اللون من الشرح، بل ربما يتحيز له ويدعو إليه لما فيه من جدة لن تؤلف، ولأنه يدل على أن (الكتاب لا يفرط في شيء)، كما هلل إنسان القرون الوسطى قبله، وبالأخص إنسان القرن الثالث والرابع الهجري، لخلط الدين بالفلسفة الإغريقية، وذهب في هذا الخلط إلى حد بعيد.
ولكن وراء سرور الفرد ووراء انفعاله وإكباره لهذا العمل حقيقة لا تتغير بمظاهر انفعاله وإكباره، وهي: أمثل ذلك الصنيع يلائم طبيعة الدين ويلائم غايته؟ ولاشك أن يسر الدين وكونه قريباً من إفهام أكبر عدد ممكن من الجماعة البشرية من أهم خصائص طبيعته. ولاشك أن اقتناع الكثرة به واجتماعها حوله غير متفرقة ولا متحزبة لتأويل معين لحقيقة من حقائقه غاية رئيسية له.
فإذا كان تفلسف الدين إذا يساعد على نمو طبيعة الدين ويساعد على تحقيق غايته، كان من مصلحة الدين جذبه نحو الفلسفة، وكان من مصلحة شرح عقيدته بآراء الفلاسفة.
دخلت الفلسفة الإغريقية بشرح رجال مدرسة الإسكندرية منذ عصر المأمون في ثقافة