المسلمين، وأحدثت على إثر دخولها تحولاً في نشاط المسلمين الديني والعقلي أساسه الميل إلى الفلسفة في إنتاجهم في هاتين الناحيتين. وكانت العقيدة الإسلامية اشد تأثراً بالفلسفة في نطاق الإنتاج الديني؛ إذ من أهم ما تناولته الفلسفة بالبحث المبدأ الأول للكون، وصفات هذا المبدأ، ونشأة العالم المشاهد عنه، والإنسان أمام العقل الإسلامي المشتغل بالعقيدة الإسلامية نظرية الواجب والممكن، ونظرية وساطة العقل الفعال بين الله والعالم، ونظرية الصورة والهيولي، ونظرية العقول المجردة، ونظرية فيض النفس الكلية على النفوس الجزئية. . .
ولم يشأ العقل الإسلامي أن يعالج هذه النظريات في عزلة عن الدين، ولا أن ينقدها - إذا نقدها - من غير رعاية للدين بل حاول جهد طاقته، وبالأخص بدء اشتغاله بها، أن يشرح بعض حقائق العقيدة بما ورد في الفلسفة من آراء لأنه جعل شعاره:(إذا انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال). إذ أنه يقول:(وهل الحكمة إلا مولدة الديانة؟ وهل الديانة إلا متممة للحكمة؟ وهل الفلسفة إلا صورة النفس؟ وهل الديانة إلا سيرة النفس؟). وإذ أنه يقول:(لا خلاف بين أحد من العلماء بالفلسفة ولا بين أحد من العلماء بالشريعة بأن غرض الشريعة هو غرض الفلسفة على الحقيقة)
وقد كان للعلماء المسلمين بعض العذر في تحديد الصلة بين الدين والفلسفة الإغريقية بعد ترجمتها على هذا النحو لأن الفلسفة الإغريقية نقلت إليهم من ثوب ديني صوفي في كثير من نقطها، نتيجة عمل رجال الإسكندرية، ولأن منطق أرسطو الذي ترجم أولاً، في عهد المنصور، أحدث في نفوس المسلمين شبه يقين برجاحة العلم اليوناني وعصمة الحكمة اليونانية)
وتبعاً لذلك الشعار وهذا التحديد في الصلة بين الدين والفلسفة من العقل الإسلامي، أصبحنا نرى علماء العقيدة يستدلون على مغايرة الله للعالم بنظرية الواجب والممكن التي أسسها أرسطو على نظامه الفلسفي في الصورة المحضة والمادة المحضة، والتي استتبعت مما استتبعت من صفات، وحدة الوجود الواجب بمعنى عدم تعدد ذاته وعدم تركب ذاته الواحدة من أجزاء. وقد بنى فريق من المسلمين على مبالغته في إثبات الوحدة ففي صفات الباري، كلها أو الكثير منها، لأن إثباتها - في نظره - يقتضي التعدد. وسلك فريق آخر من الراغبين في إثبات الصفات، تمشياً مع ظاهر القران، وفي الوقت نفسه من الحريصين