الآراء الميتافيزيكية والأقوال الروحية، واثر صنيعهم في العقيدة لا يقل عن أثر ذلكم من قبل.
فنرى بعضهم يحاول تحديد الروح، وهي التي اختص بها علم الله (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) بما يسميه أدلة حسية (تجريبية طبقاً لطابع العصر العلمي) فيقول: (إن الروح وإن كانت أمراً إلهياً لا يدرك لها كنه، إلا أن لها جسدا أتيزياً على صورة صاحبها، غاية في اللطافة، لا يتعريه البلى ولا التحلل، في قدرتها أن تستبدل مادة من الخارج وإن تظهر بصورة صاحبه في أحوال خاصة، ويكون صاحبها إذ ذاك واقعاً في غيبوبة)
ونرى تعليقاً من أحد هؤلاء المعاصرين على رأي (لأحد أقطاب الفلاسفة العصريين) يذكره على هذا النحو: (هذه محاولة فلسفية تعتبر أبدع ما أنتجت الفلسفة العالية إلى تأييد الكتاب المجيد. أليس كل ما في هذا البحث الجليل - وهو رأي أحد هؤلاء الأقطاب - محصورا في قوله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون))
وصنيع كل من السابقين والحديثين هذا، وهو جذب الدين نحو الأفكار الفلسفية وشرح العقيدة وحقائقها بآراء الفلاسفة، شيء آخر يختلف اختلافاً جوهرياً عن محاولة تعليل مبادئ دين من الأديان مما يسمى (حكمة التشريع)، ويختلف كذلك عن تعليل العاطفة الدينية في الإنسان وضرورة وجود الدين في الجماعة البشرية تبعاً لذلك مما يسمى (سيكولوجية الدين)
فتعليل مبدأ الزكاة في الإسلام مثلاً، وجعل حظ الذكر في الميراث مثل حظ الأنثيين، ومبدأ صلاة الجماعة والحج. . . وتعليل: لماذا كانت طبيعة الدين تحتم وجود أمور تعبدية في العقيدة؟ أو لماذا كان الدين ضرورة اجتماعية وعنصراً أساسياً في التنشئة والتهذيب؟ أو لماذا كان القانون المستمد من الدين اشد أثرا على النفوس من القانون الوضعي به؟ تعليل مثل هذه الأشياء غير شرح الحقائق الدينية التي ترد في أصل العقيدة وفي كتاب العقيدة غير محددة وغير معرفة تعريفاً منطقياً - ويجب أن تبقى غير معرفة، لأن في عدم تعريفها أساس أبديتها وأساس عمومها - بشروح مستمدة من محيط الفلسفة كما تقدم.
وما عنيته للآن بالكلام تحت عنوان (الدين والفلسفة) هو جذب الدين نحو الفلسفة، ومحاولة