مجردة من الهيولي، كل واحد منها قائم بنفسه، متوجه نحو ما نصب له من أمره وهم ملائكة الله تعالى وخالص عباده.)
فما معنى الجوهر؟ وما معنى بساطته؟ وما معنى كونه علامة؟ وما معنى كونه فعالاً؟ وما معنى الصورة؟ وما معنى تجريدها عن الهيولي؟ وعلى أي كيفية يكون تدبيرها الأشياء؟
لاشك أنها معان لا تفهمها إلا قلة من الخواص فضلا عن أن تفهمها عامة المسلمين. ومع هذا طولبوا بالإيمان بها في نظر فريق من علماء المسلمين في نظر إخوان الصفاء.
تبعا لذلك الشعار رأينا الشريعة الإلهية تحدد (بأنها جبلة روحانية، تبدو من نفس جزئية في جسد بشري، بقوة عقلية، تفيض عليها من النفس الكلية، بإذن الله تعالى، في دور من الأدوار لتجذب النفوس الجزئية، وتخلصها من أجساد بشرية متفرقة ليفصل بينها يوم القيامة)
لماذا وجدت النفس الكلية؟ ولماذا كانت المصدر المباشر للفيض، أو كانت القوة التي تتولى نقل الأثر - وهو الإيجاد - من الله إلى هذا العالم؟ وما معنى جذب النفوس الجزئية إليها؟ لاشك أنه لا سبيل إلى فهم ذلك إلا لمن اطلع على فكرة النفس الكلية في الأفلاطونية وفي الرواقية وفي الأفلاطونية الحديثة؟ وعلى فكرة جذب (الصورة المحضة - للهيولي) في رأي أرسطو.
تبعاً لذلك الشعار، رأينا الجنة تفسر بأنها عالم الأفلاك والعقول المجردة، والنار تفسر بأنها عالم ما تحت فلك القمر، وهو العالم الأرضي عالم الكون والفساد. ورأينا الشهداء الذين ذكرهم الله في قوله تعالى:(أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) تعلل تسميتهم بالشهداء لمشاهدتهم تلك الأمور الروحانية المفارقة للهيولي.
هذا مثال من صنيع العلماء المسلمين بالعقيدة الإسلامية بعد دخول الفلسفة الإغريقية، وبعد رغبتهم في شرحها بالفلسفة، وفي تفلسفها.
والعلماء الحديثون المفلسفون ينهجون نهجهم في تفلسف العقيدة، ولكن فقط يستمدون شرحهم الفلسفي من نظريات العلم التجريبي التي تطبع العصر الحاضر بطابعها الخاص! وقد يستمدونها أيضاً مما بقي لدى أصحاب العلم والحضارة اليوم، وهم الأوربيون، من