للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وراجت الأكاذيب والإشاعات، وتفاقم الأمر حتى اخذ الناس يهمسون باحتمال عزل المفتي. وقالت جريدة (المقطم) حينئذ أن اللورد (كرومر) هو الذي حال دون ذلك العزل، إذ تدخل في الأمر وصرح بأن الشيخ محمد عبده أصلح من في مصر للإفتاء، وأنه لذلك ينبغي أن يبقى في منصبه.

ولاحظ (الشيخ الببلاوي) أن حزب المعارضة اخذ يشتد ويعظم نفوذه بتأييد الخديو إياه، حتى أصبح وكأنه الحزب الرسمي، ووجد هو نفسه معطلاً عن العمل. ثم حدثت حادثة (رواق المغاربة) الذين احتموا بالقنصلية الفرنسية، واحتلوا بعض غرف خالية في الرواق العباسي، وانتهى الأمر بإخراجهم منها؛ ولكن شيخهم كان أكثر الوقت يتردد على (سراي القبة). وكبرت هذه الأمور على (الشيخ الببلاوي) ويئس من صلاح الحال فاستقال.

ولما وجد الشيخ محمد عبده نفسه وحيداً محروماً من معاونة شيخ مجرب كالببلاوي، آثر أن يستقيل من مجلس إدارة الأزهر. وتبعه في تلك الاستقالة عضوان آخران من أعضاء المجلس هما الشيخ عبد الكريم سليمان والشيخ أحمد الحنبلي

تلك خلاصة لما حدث بالأزهر في السنوات الأولى لهذا القرن، ومنها يتبين مقدار ما لقي الشيخ محمد عبده من الأذى في سبيل إصلاح مناهج التعليم والتربية في الأزهر، ومبلغ ما بذل من جهود لتقويم ما فسد من نظم الإدارة فيه.

ولكن رغم ما عاناه المصلح من عنت الشيوخ الجامدين، وما حيك حول مساعيه من دسائس الخديو وحزبه، فإن شيئاً لابد أن يبقى ولا تستطيع قوة أن تقضي عليه: ذلك البذر الصالح الذي ألقاه الأستاذ الإمام في ذلك المعهد يوم ألقى فيه دروسه فبث فيها من حر الآراء وسليم الأفكار ما نرجو أن يحسن الخلف القيام عليه.

عثمان أمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>