وهو قول حق نافذ إلى اللباب؛ لأننا ندل به على أن هذا الفهم الذي ننقده ونحاول أن نثني الشباب عنه إنما هو من طبيعة الشباب التي لا محيد عنها ولا استثناء فيها. فكل شاب إذن خليق أن يفهم الأمور كما فهمها الشاب الذي نلومه ونهديه إلى خطئه!
وهكذا يسألنا الأديب: لماذا لا يعتبر الشاب بقول صديقنا المازني فيأخذ الحياة من حيث انتهى ويقضي شبابه في أمن وراحة وسعادة!
والجواب أن صديقنا المازني نفسه لو عاد إلى الشباب لما اعتبر هذا الاعتبار ولا سلك في الحياة إلا المسلك الذي عدل عنه بعد حين
وخيراً تصنع الحياة إذ تجعل كل حي مستقلاً بحياته عن التجارب النفسية التي جربها سابقوه. فليس من الحياة أن يعيش الإنسان عالة على شعور غيره، وليس هذا بالمستطاع لو حسن أن يكون
وفرقي شاسع بين المعلومات والتجارب النفسية في هذا المجال، فإنني لا أستطيع أن أعرف وحدي جميع المعارف الإنسانية التي عرفها السابقون وأضاف إليها اللاحقون ما أضافوه؛ ولكني أستطيع أن اجرب وحدي ما جربه كل فرد وحده، ولا خسارة علي في ذاك!
لا بل الخسارة كل الخسارة في تركي إياه يشعر (بالنيابة) عني وإلغائي لشعوري أنا معتمداً على ما جربه واهتدى إليه. أما المعلومات فيكفي أن تنتقل إلي ليصبح نصيبي منها ونصيب من عرفوها جميعاً على قدر سواء، فلا خسارة في انتقالها من جيل إلى جيل
وينبغي أن نذكر هنا أن التجربة ليست مسألة فهم ولكنها مسألة رياضة
فالحصان الوحشي الذي تربطه بالقيود وتقيم من حوله العوائق لتمنع جماحه وتسلس قياده لا يثوب إلى السلاسة لأنه فهم أنها خير من الجماح، أو وازن بينهما موازنة فكرية فاختار أفضلهما في الرأي والمنطق؛ ولكنه (ريض) على حالة لا يستطيع غيرها ولو فهم أن غيرها هو الصواب
ولو كانت التجارب مسألة فهم لما استعصى خطبها على أحد، فإن حكمة الحكماء الذين قالوا إن (الصبر مفتاح الفرج) تفهم لفظاً ومعنى في لمحة عين، ولكن النفس لا تراض عليها قبل سنين حافلة بالحوادث والدروس؛ وقد تمضي السنون ولا تبلغ بها مبلغ الرياضة على