للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيره، وليست تجربة غيره إلا تذكيراً لناسٍ أو تنبيهاً لغافل

ولنتخيل عالماً يستريح الناس فيه من (المبالاة) فماذا يبقى لهم من الحياة؟

ماذا يبقى من الحياة لمن لا يبالون الخوف والرجاء ولا يحنون إلى ماض ولا يتوقون إلى غد ولا يحفلون بحاضر؟

العريان في القافلة مرتاح

وهذا عري في قافلة الحياة!

ولاشك أن التجارب تعلمنا كثيراً أن العناء لا يفيد، ولكن من هذا الذي يعاني باختياره؟ ومن هذا الذي يعاني لفائدة يلتمسها من عنائه؟

إنما يعاني الإنسان على حسب ما عنده من طاقة العناء لا على حسب ما يستفيده من العناء

ولهذا يوجد بين الناس آحاد معدودون يطلبون العظائم ويبلغونها ولا يقنعون بما بلغوه منها، وينظر إليهم ملايين الملايين فلا يتحركون لمثل ما ابتغاه أولئك الآحاد المعدودون، لأن المحرك هنا هو الطاقة الموجودة وليس هو الفائدة التي لم توجد بعد ولا يضمن وجودها

إن كرة المطاط تنضرب إلى الأرض مائة مرة ولا تزال تعلو وتسفل في أثر كل ضربة. ثم تنضرب بعد هذا فتقع حيث هي لا علو ولا استفال. ألانها علمت أن العلو لا يفيد؟ كلا. . . بل لأنها أضاعت مرونتها التي تعلو بها وتهبط. . . فمن الذي يطلب من الكرات الجديدة أن تعتبر بمصير هذه الكرة (المجربة) فتقع حيث هي وتضيع من مرونتها باختيارها ما ضاع (بالتجربة) على غير اختيار؟

ولست أقول للكرة التي سكنت إلى موضعها: غالطي الحقيقة وعاودي الوثوب وقد راضتك الحوادث على اجتنابه!! ولكني أقول للكرة الجديدة: إياك أن تغالطي الحقيقة وإن تسكني لأن غيرك قد سكن من قبلك. بل اسكني حين يوائمك السكون ولا تقدرين على غيره؛ واطلعي وانزلي مادامت لك طاقة بالطلوع والنزول

فقلة المبالاة لا قيمة لها أن لم تأت بعد مبالاة، لأنها تكون يومئذ مرضاً أو قصوراً لا يغبط عليه. ولابد إذن من مبالاة ولو قصيرة الأمد قبل أن تصبح قلة المبالاة تجربة نفسية ورياضة خلقية. وليس شرطاً مع هذا أن تكون تلك التجربة مما يحمد على كل حال، وأن تكون تلك الرياضة مما يقتدي به كل إنسان

<<  <  ج:
ص:  >  >>