الروح المحضة، وأعرض عن الدنيا وما فيها، وحرم نفسه متاعها ومباهجها
هذان هما الفريقان المتقابلان يستظل أولهما بظل اليهودية أو الوثنية، ويستظل الآخر بظل المسيحية أو الصابئية أو نحو ذلك
ب - إن اقتسام هاتين الفكرتين للعالم على هذا النحو، أو طغيان إحداهما على الأخرى، من شأنه أن يحول بين الناس وبين القيام بواجبهم الذي من اجله خلقوا، وجعلهم الله خلفاءه في أرضه: ذلك الواجب هو عمارة الكون والانتفاع بما خلق الله فيه من شيء، والسمو بالعقل الإنساني على وجه يسعد به الناس في معاشهم ومعادهم؛ ذلك الواجب هو الذي تضمنته الآية الكريمة في بيان حكمة هذا الخلق
(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً. ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم. وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: أني أعلم ما لا تعلمون!)
ج - جاء الإسلام وهاتان الفكرتان تقتسمان العالم وتسيطران عليه. فحدد غاية الإنسان في الحياة وأرشده إلى مقوماتها الصحيحة، وأهاب به إلى الفكرتين جميعاً، وحثه على قصد الجادة والاعتدال، وطلب إليه أن يأخذ في كل ناحية بقسط ملائم حتى تتحقق له السعادة على أكمل وجوهها. . .
أوسع له في ضروب القول مستدلاً على عقم المادية البحتة بأنواع الاستدلال، وأخذ يصورها أمامه بأبشع الصور، واتجه به إلى كثير من مواطن الحياة، وحثه على استكمال حاجته منها؛ ونعى على الروحية المحضة، وجعلها من الأساليب التي تنافر الغاية من خلقه لعمارة الكون وخلافته عن رب العالمين
اقرءوا - إن شئتم - قوله تعالى في التنفير من المادية البحتة:
(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)(وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو، ولدار الآخرة خير للذين يتقون. أفلا تعقلون؟)
واقرءوا قوله تعالى في الحث على ترك الروحية المحضة:
(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ قل هي للذين آمنوا في