البيت لذؤيب بن كعب في مقطوعة (ستة أبيات) قالها في يوم تياس، وهو من أيام العرب، وقد ذكره صاحب (العقد) مختصراً، وأورد ثلاثة أبيات من المقطوعة. وروى الخبر أتم والمقطوعة كاملة أبو عبيدة في تعاليق (النقائض)، وستظهر تعليقة البيت حقيقة الرواية. وقد رأيت أن انقل الخبر والأبيات والتعليقة لندور تلك الطبعة الغربية في الشرق. ومحقق (النقائض) وناشرها هو العرباني الأستاذ (ا. ا. بيفن)
قال أبو عبيدة:(كانت قبائل بني سعد بن زيد بن مناة، وقبائل بني عمرو بن تميم التقت بتياس، فقطع غيلان بن مالك ابن عمر بن تميم رجل الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة، فسمي الأعرج، فطلبوا القصاص، فأقسم غيلان ألا يعقلها ولا يقصها حتى تحشى عيناه تراباً وقال:
لا نعقل الرجل ولا نديها ... حتى ترى داهية تنسيها
فالتقوا فاقتتلوا، فجرحوا غيلان حتى ظنوا انهم قتلوه، ورئيس عمرو كعب بن عمرو، ولواؤه مع ابنه ذؤيب، فجعل غيلان يدخل البوغاء في عينيه ويقول: تحلل غيل، حتى مات. فقال ذؤيب بن كعب لأبيه كعب:
يا كعب، إن أخاك منحمق ... إن لم تكن بك مرة كعب
أتجود بالدم ذي المضنة في ال ... جليّ، وتلوي الناب والسقب
فالآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الأنساب والقرْب
أنشأت تطلب خَطة غبناً ... وتركتها ومسدُّها رأب
جانيك من يجني عليك وقد ... تعدى الصحاحَ مباركَ الجرب
والحرب قد تضطر جانيها ... إلى المضيق ودونها الرحب
قال أبو عبيدة: أنشدني داءود أحد بني ذؤيب: (الصحاحَ مباركُ الجرب) فرفعوا مبارك، وجروا الجرب، وذلك أقواه
قال أبو الخطاب: إن عامة أهل البدو ليس تفهم ما يريد الشاعر، ولا يحسنون تفسيره، وإنما أتى إقواء هذا من قلة فهم الذين رووه، وإنما عنى الشاعر (وقد يعدي الأجربُ الصحيحَ مبركا) فلما وجدوه مقدماً ومؤخراً لم يحسنوا تلخيصه، ووجدوا مبارك لا ينصرف، فأظلم عليهم المعنى، وإنما أراد: وقد تعدى الصحاحَ مباركَ الجربُ)