الأم العاقلة العالمة تصيبها جنة وجهالة فتأكل بناتها وبنيها!
لندن وبرلين عليهما الخراب والدمار صباً فيباد ما فيهما من مراكز نمو الحياة وعلب أسرارها (وقماقم) أجنتها وولائدها. . .!
والإنسانية الجاهلة الغافلة المقيمة بالأكواخ في القارة السوداء وأواسط التبت ترى هذه الإنسانية العالمة المدبرة الجميلة تشن الغارة على الحياة بالزلازل والبراكين والصواعق الصناعية. . . فتحمد الله على الحياة في الغابات مع الأسود والقرود التي لا تلتقم منها إلا أفراداً!
الحياة تصاب بنكسة حادة يا أطباء الحياة. . . فهل من دواء لها فيما صنعتم من العقاقير والأقرباذين؟!
كنا أوشكنا أن نعبد الدنيا ممثلة في لندن وباريس وبرلين، وننسى نهاية رحلتنا في هذه الدنيا غرباء عابري سبيل، لا تملك المكث ولا البقاء، ونخضع لقوانين الزوال والفناء، ويدور الفلك بنا دورات حتمية تشب الطفل وتشيب الصغير وتفني الكبير وتلقي بنا إلى العالم المجهول. . .
وكنا أوشكنا أن نظن تلك الأجسام الأوربية القوية الجميلة الرقيقة الرشيقة الذكية هي الإنسان المقصود بالحياة. وأما من عداها (فحيوانات بشرية) - كما تعبر الهتلرية - ومخلوقات تكميلية خادمة لها تعيش على هامشها وتسير في خدمتها، وقبح اعتقادنا في أنفسنا تبعاً لذلك حتى تركنا لها الأرض طوعاً وكرهاً وخلينا لها مكاننا من الدنيا. . .
وكنا اعتقدنا أن عناوين النظم الأوربية ثابتة لا تتزلزل، ونظمها البارعة عزيزة على أصحابها، وأن الإنسان الأوربي مقدس لدى نفسه وأممه، فلا تحطيم لدنياه ولا نسف لنظم حياته ولا تمثيل به ولا سحق ولا نثر لأشلائه. . .
وكنا أوشكنا أن نرى العالم المادي الدقيق الذي صار التنويع فيه والتشكيل والتلوين والدقة والتركيب كأنه دنيا أخرى من مخلوقات الحديد والصلب والخشب وسائر المواد الجامدة منفصلة عن روح الحياة في الإنسان فأخذنا نعيش بها عيشة آلية صخابة بدون وعي ووداعة وإحساس من الروح ويقظة للمصير المحتوم!
ولكن هذه الحرب أخلفت تلك الظنون الخاطئة، وصححت أفهامنا الفاسدة، وكشفت عن