أبصارنا غطاء التمويه وسحر التخييل، فإذا بنا نعود وإذا بالأوربيين أنفسهم يعودون معنا إلى المعاني الأزلية الخالدة التي بزغت من قلوب أنبيائنا واستنزلوها من السماء بالإخلاص والبكاء لرب الحياة الذي وضع الإنسان فيها موضعه بين الأهوال والألغاز والأسرار. . .
وإذا المثل العليا تعود ذكراها إلى الألسنة والأقلام يرددها الساسة وسماسرة المال! ويخطبون فيها خطابة الأنبياء والمرسلين بين عباد الأوثان بالبيان الساحر والحجج الأخاذة، والإذاعة العريضة الواسعة
وإذا الترتيلات بالحق والسلام والعدالة تنبعث من جميع بقاع الأرض وتنطلق بها حناجر الناس جميعاً، وتزيد كل أمة في طنبورها نغمة
وإذا بالنظم الأوربية الظالمة الجائرة المتحجرة تذوب وتنماع تحت حرارة أنفاس الدعاة إلى السلام والحق والعدالة، وتحت نيران هذه الحرب التي انتقمت شر نقمة من طغيان السياسة والرأسمالية والدعوات الهدامة
وإذا بالروح الإنسانية الوديعة الرحيمة المؤمنة بالله وبالإنسانية تعود في جو مخضب بالدماء، مندي بالدموع، مطرز بالآلام، إلى القلوب المهجورة القاسية الكافرة، كما يعود طير شارد تائه إلى عشه المهجور، ومكان حنينه وأشواقه، فيراه خرباً منثور الأعواد، عبثت به الرياح، وعششت فيه العناكب. . . فما يزال يضم عوداً إلى عود، وورقة إلى ورقة، ويرفرف عليه بجناحيه حتى يطرد عنه أنفاس السوء وأوساخ الحشرات، ثم يعمره بالرحمة والحب والحنين. . .
لقد بنى الغربيون حياتهم على مناعة الأجسام وحدها من أمراضها، ولم يبحثوا عن وسائل مناعة الأرواح من آفاتها. فأخذوا الحياة من جانبها الضعيف وتركوا الجانب الآخر، وقوانين الطبيعة لا ترحم من يخالفها ولا تحابيه، بل تدافع عن وجودها وتهدم من يحاول هدمها
فمن يدع ثغرة في بناء الحياة من غير سدها أوشك أن يدخل منها إلى البناء ما يأتي عليه من القواعد، ويجعله خاوياً على عروشه
وكان جديراً بالإنسان الأوربي الذي يعرف حجم الميكروب الصغير وخطورة آثاره، فيحترس منه ويقيم الأرصاد والجواسيس خشية اقتحامه عليه ثغرة من ثغرات جسمه. . .