للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن هذه الظاهرة كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أصيب بها الذين عارضوه وكذبوه وقالوا معلم مجنون

روى أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود قال له: تركت في المسجد رجلاً يفسر القرآن برأيه: يفسر قوله الله سبحانه: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) بأن الناس يوم القيامة يأتيهم دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم كهيئة الزكام. فقال أبن مسعود: (من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم)! إنما كان هذا لأن قريشاً استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام؛ فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد!

وأغرب من هذا وأعجب أن يفسر بعض هؤلاء المفسرين الحديثين شأناً غيبياً من شئون الله الخاصة لم ينزل بتفصيله وحي، ولم يطلع الله على حقيقته أحدا من خلقه، ببعض الظواهر الحاضرة التي اكتشفها العلم واهتدى إليها بنو الإنسان:

يفسر الكتاب المبين والإمام المبين الذي تحصى فيه الحسنات والسيئات وتعرض على أصحابها يوم القيامة، بالتسجيل الهوائي للأصوات، ويقول: أظهر العلم ذلك بالمخترعات البشرية واستخدمه الإنسان فيما يختص بالاصوات، ولا تبعد أن يستخدمه فيما يختص بحفظ الحركات والسكنات والخواطر النفسية، والله القادر خلق الكون على هذه السنن لغاية أسمى من ذلك هي محاسبة الناس يوم القيامة، وعرض أعمالهم عليهم كشريط مسجل يضم جميع حركات الناس وسكناتهم وخواطرهم وأقوالهم، وما قدموا من عمل

يقولون هذا ويفسرون به قوله تعالى: (علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى). وقوله تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً). ويهجمون على الغيب بما لم يأذن به الله، ويجدون من العلماء من يؤيدهم ويشجعهم ويزكيهم ويتمنى أن يكثر الله من أمثالهم!

إن هؤلاء في عصرنا الحديث لمن بقايا قوم سالفين فكروا مثل هذا التفكير، ولكن على حسب ما كانت توحي به إليهم أحوال زمانهم، فحاولوا أن يخضعوا القرآن لما كان عندهم من نظريات علمية أو فلسفية أو سياسية

ولسنا نستبعد إذا راجت عند الناس في يوم ما نظرية داروين مثلا أن يأتي إلينا مفسر من

<<  <  ج:
ص:  >  >>