هؤلاء المفسرين الحديثين فيقول: أن نظرية داروين قد قال بها القرآن منذ مئات السنين!
هذه النظرة إلى القرآن خاطئة من غير شك، لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف
وهي خاطئة من غير شك لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفاً يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم
وهي خاطئة لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان. والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصبح غداً خرافة من الخرافات
فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة لعرضناه للتقلب معها، وتحمل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفاً حرجاً في الدفاع عنه وإقناع الناس به
فلندع للقرآن عظمته وجلالته، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولتعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخلق وظواهر الطبيعة إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر ليزداد الناس أيماناً مع أيمانهم
وحسبنا أن القرآن لم يصدام ولن يصادم حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول. قيل: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حالة واحدة؟ فنزل قوله تعالى: (يسألنك عن الأهلة، قل هي مواقيت للناس والحج. وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها، ولكن البر من اتقى، وآتوا البيوت من أبوابها، واتقوا الله لعلكم تفلحون)
وانك لتجد هذا في سؤالهم عن الروح حيث يقول عز وجل:
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
أليس في هذا دلالة واضحة على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون؛ وإنما هو كتاب هداية وإصلاح وتشريع؟؟
قد عرفنا مهمة القرآن التي لأجلها نزل، وعرفنا موقف المسلمين الأولين من هذه المهمة، وما كان لهم بفضل موقفهم هذا من عز وجاه وسلطان
ثم عرفنا موقف المسلمين في العصور التالية، وكيف عقدوا على الناس طرق الانتفاع