لما شاهد الأستاذ سلامة موسى جماعة يصرخون في وجهي هاتفين:(يسقط عدو الفلاح! يسقط عدو الفلاح!) حدثته النفس بأن وقت الانتصار على خصمه القديم قد حان، فانتضى قلمه ومضى يجرحني في مجلة اللطائف المصورة بعبارات لا تصدر إلا عن كاتب فقد القدرة على ضبط النفس، وأنا لن أجزيه عن تلك العبارات بما يباريها في القسوة والعنف، فما أحب أن يتحول الجدل إلى ملاحاة تصرف القراء عن فهم دقائق الموضوع الذي ثار من أجله الخلاف
وأنا أرى أن الفرد هو الحجر الأول في بناء المجتمع؛ وأرى من الواجب أن توجه الجهود الصوادق إلى إصلاح الفرد، لأن المجتمع يتكون من أفراد. ولا يمكن القول بسلامة بناء من الأبنية إلا عند التأكد من سلامة المواد التي كونت ذلك البناء
ويجب حتماً أن يكون لكل فرد (شخصية خلقية) لتكون له (كرامة ذاتية)
ولكن ما هو الخلق الذي يتحلى به الفرد، لتكون له شخصية خلقية؟
تنقسم الأخلاق إلى قسمين: أخلاق سلبية وأخلاق إيجابية؛ فالأخلاق السلبية يصورها ترك المحظورات، وهي الأخلاق التي تخطر في بال الناس عندما يسمعون كلمة أخلاق
أما الأخلاق الإيجابية فهي التي تفرض على أصحابها مشاق ومتاعب في تحصيل المزايا النفسية؛ المزايا التي تنقل الرجل من حال إلى أحوال، فيحلق بعد الإسفاف، وينبه بعد الخمول، ويخلق لنفسه مكاناً بين المياسير والأغنياء
ولا تكون للرجل شخصية خلقية إلا حين يتحلى بالأخلاق الإيجابية، أما الاكتفاء بحلية الأخلاق السلبية فقليل الغناء، لأن ترك المحظورات لا يشهد بقوة الخلق إلا حين يكون الرجل على جانب من القدرة على اقتراف السيئات، وهو لا يكون كذلك إلا يوم يملك من أسباب الغنى والعافية ما يجعل انصرافه عن المهلكات شاهداً على أنه يجاهد في سبيل التصون جهاد الأبرار
وحين يتضح هذا المعنى في نفس كل فرد، أو في أنفس أكثر الأفراد، يمكن الاطمئنان إلى أن بناء المجتمع يتكون من أحجار صحاح؛ فالبناء المتين لا يعيبه أن يكون فيه حجر منخوب في أحد الجوانب، وإنما يعيبه أن تكثر الأحجار المناخيب فيخشى عليه التصدع