والفلاح الذي يدبر قوت أهله في كل يوم بعرق الجبين ليس فقيراً
والكناس الذي كحل عينيه بالغبار ليظفر بالقوت الجلال ليس فقيراً
وإنما الفقراء هم أولئك الكسالى المقاطيع الذين يطلبون ما لم يكونوا له بأهل، كأن ينتظروا الوظائف الحكومية وهم جهلاء؛ وكأن يخجلوا من ازدراع الأرض وترابها أشرف من نفوسهم التي ترى حمل الفأس أصعب من التعرض للسؤال؛ وكأن يتوهموا أن سلامة موسى، وفكري أباظة، وتوفيق الحكيم سيخلقون المستحيل فيوزعون أموال الأغنياء على الفقراء، وذلك وهم أعرض من البادية التي تفصل بين دمشق وبغداد
إن عدو نفسه وعدو الحق - وهو الأستاذ سلامة موسى - يقارن بين الوزير والكناس في المرتب، ويقترح إلا يزيد مرتب الوزير على مرتب الكناس بأكثر من خمسة أمثال
وذلك كلام لا يصدر إلا عمن سخروا أنفسهم لخدمة الرياء الاجتماعي
وهل اختلفت الأصابع في القصر والطول إلا لحكمة عالية هو تضامها بصورة متساوية عند تناول الأشياء؟
وكذلك اختلف الحظ بين الوزير والكناس لحكمة عالية، وما كان هذا الاختلاف أثراً من آثار انعدام العدالة الاجتماعية إلا في نظر من يسخر نفسه لخدمة الرياء الاجتماعي
ألم أقل لكم: أن الدنيا فسدت بحيث أصبح الرياء سيد الأخلاق؟
وإلا فعلى أي سناد اعتمد الأستاذ سلامة موسى حين جرؤ على القول بأن الدكتور زكي مبارك يعيش في ظلال عقائد بالية، لأنه يقول بأن انحطاط المجتمع فرع من انحطاط الفرد؟
لقد اعتمد على مراءاة المجتمع، وهو مجتمع يخدع فينخدع، وهو أيضاً مجتمع جبان، فقد عسر عليه أن يدفع قاله السوء عن الأغنياء، مع أن أغنياء مصر أقاموا أصدق الشواهد على أنهم عماد الوطن الغالي، فهم الذين ثبتوا قواعد الأزهر الشريف بما وقفوا عليه من الأملاك الثوابت، وهم الذين أنشأوا الجامعة المصرية، وهم الذين أقاموا الجمعية الخيرية الإسلامية، وهم الذين أسسوا المستشفى القبطي والمستشفى الإسرائيلي، وهم الذين أقاموا لعبادة الله وخدمة العلم مساجد ومدارس تعد بالألوف
فهل من العيب أن أقول بأن المغنى يشهد لأهله بقوة الأخلاق الاجتماعية والمعاشية؟