وترتيبها جاذبية يخلقها شعور العامل المخلص بأنه لا يؤلف بين حرف وحرف، وإنما يؤلف بين معنى ومعنى ويصل روحاً بروح. والمدرس الموفق يشعر بأنه مسئول أمام الله عن كل تلميذ، فتزيده تلك المسئولية قوة إلى قوة، وتسكب في ضميره رحيق الاطمئنان. والكاتب الصادق في كل ما يكتب يتلقى أحسن الجزاء من الشعور بأنه يصدر عن عقيدة منزهة عن الرياء
تلك قطوف من ثمرات الشخصية الخلقية، ومنها ندرك أن ليس في الدنيا سيد ومسود، ومستأجر وأجير، فكل امرئ في الدنيا يعمل لنفسه قبل أن يعمل لمن وثقوا بكفايته لما يسند إليه من أعمال
الشخصية الخلقية هي مصدر السعادة في حياة الفرد ومظهر السلامة في بناء المجتمع
ولا تكمل الشخصية الخلقية إلا لمن يملك القدرة على أن يقول (أنا)، ولا تصدر (أنا) صادقة إلا عن رجل له وجود خاص، وأنا أتمنى أن يكون لكل فرد في مصر (أنا) لأستطيع الاطمئنان إلى أن المصريين ليسوا أصفاراً تضاف إلى اصفار، وإنما هم أرقام تضاف إلى أرقام، والصفر في ذاته عدم يلبس ثوب الموجود، ولكنه يصبح وجودا ذاتيا حين يقف على يمين الرقم الصحيح
والـ (أنا) لا يراد بها التكبر والاستعلاء، وإنما يراد بها الشعور بقوة الذاتية؛ فالرجل الذي يطيع القانون (أدباً) رجل من أهل الأخلاق. أما الذي يطيع القانون (خوفاً) فهو من أهل الانحطاط. والذي يباشر الأعمال البسيطة طلباً للرزق رجل شريف، لأن طلب الرزق عن نية صادقة مطلب من أعظم المطالب، ولا يعاب على طالب الرزق إلا أن يقترف في سبيله ما يعاب
زعم عدو نفسه - وهو الأستاذ سلامة موسى - أني حكمت على خمسة عشر مليوناً من المصريين بضعف الأخلاق، لأني قلت أن الفقر يشهد على صاحبه بضعف الأخلاق الاجتماعية والمعاشية، فليعرف عدو نفسه وعدو الحق أن الفقير في نظري هو الشخص الذي يقاسي الحرمان بسبب الكسل وقلة الأمانة والرضا بالدون من مطالب الوجود، وليس في مصر من هذا الطراز غير مئات أو ألوف، وهم أهل للشقاء الذي يعانون
الصانع الذي يرجع إلى بيته في كل مساء وفي جيبه خمسة قروش ليس فقيراً