إلى اعتصام الفرد بنفسه قبل اعتصامه بعدالة الحكومة وحصانة المجتمع، فقد يمضي به التواكل إلى غاية حقيرة هي صيرورته عالة على الحكومة وعلى المجتمع. وإذا أصبح كل فرد عالة على سواه فعلى الأخلاق ألف عفاء
ليست الغربة في أن ينقطع ما بينك وبين أهلك وأحبابك، وإنما الغربة في أن ينقطع ما بينك وبين نفسك، وهي الأهل والصديق، وهي معوانك على الظفر بحقك من شرف الوجود
جاهد ليلك ونهارك في التعرف إلى سريرة نفسك، ففيها عجائب وغرائب من القوى الكامنة كمون النار في السرحة الزهراء، واعلم أن المجتمع لا ينصرك حين تستنصره إلا أن وثق بأن قوته من قوتك، وشداه من شداك
يجب أن يكون موقفك من المجتمع موقف الشريك من الشريك، لا موقف التابع من المتبوع؛ وليس معنى هذا أني أدعوك إلى مجاوزة قدر نفسك فتدعي ما ليس لك، ولكن معناه أن يصح شعورك بالمسئولية في جميع أحوالك ولو كان عملك في ظاهره من أصغر الأعمال
وأنت لا تنال السعادة بالحقد على المسعودين، فلن يزيدك الحقد إلا شقاء إلى شقاء، وإنما تنال السعادة بالجهاد الشريف في سبيل الرزق وإن قضت عليك الأقدار بالعجز عن تحقيق ما تريد، فما كانت السعادة بكمية ما نملك، ولو كانت كذلك لامتنع أن يكون في الفقراء سعداء، وفي الأغنياء أشقياء، ونحن نرى أن الغني والسعادة لا يجتمعان إلا في أندر الأحايين
تنبع السعادة من معين واحد: هو الشعور بأنك تخدم نفسك وتخدم المجتمع بأمانة وصدق، ولا عيب في أن تقول أنك تخدم نفسك بخدمة المجتمع، فالمجتمع فرد مكرر، والذين يدعون الناس إلى التجرد من طلب المنافع ليسوا لا جهلاء، فلا عليك أن اتهموك بحب نفسك حين تطلب الجزاء على ما تقدم من خير ونفع؛ فمن حقك على أمتك أن تدعوها إلى مجازاتك على جهادك، وليس من حقك أن ترجو ما عندها بالسؤال والاستجداء وإن برعت في الحيلة فسميت هذا المسلك باسم مصقول، كالأسماء التي اخترعها المتسولون من صنائع الحذلقة الاجتماعية.
وقد تكلم الأستاذ العقاد في العدد الماضي من (الرسالة) عن (المبالاة) كلاماً في غاية من