الجودة، وهو يرى المبالاة أقوى الشواهد على الشعور بالحياة
وأقول: أن عدم المبالاة قد يصبح وجوداً حيوياً إذا صدر عن عمد، وهو عندئذ من مقومات الشخصية الخلقية. والحق أن لا وجود لعدم المبالاة ما بقي الشعور بالترك والانصراف، والذين اشتهروا بعدم المبالاة من أقطاب الفكر والعقل كانوا أصحاب مبادئ من هذه الناحية، ولم تكن استهانتهم بالمبالاة إلا مبالاة من نوع جديد
وخلاصة القول أن الفرد مسئول أمام نفسه قبل مسئوليته أمام المجتمع، ولا قيمة لمسئولية الفرد أمام المجتمع إلا أن صدرت عن نية، كأن يشعر بأن النظام هو الذي يفرض عليه تلك المسئولية، والصدقة وهي خير لا تزيد قوة الخلق إلا إذا صدرت عن نية، وإلا فهي تبديد وإتلاف، وإن انتفع بها من تقدم إليه
وهل أخطأ علماء الشافعية حين أوجبوا تقديم النيات على الأعمال؟ أن لذلك معاني لا يدركها إلا أولو الألباب
أما بعد فأنا مقتنع بهذا الرأي كل الاقتناع، ولكني حين أسير في شوارع القاهرة أرى أو شاباً من الناس لا يعنيهم خطأ ولا صواب، ولا يهمهم - أن كان يهمهم شيء - إلا أن ترفع عنهم جميع التكاليف، وإن يرزقوا بغير حساب. وما رأيت تلك الأوشاب المبعثرة ذات اليمين وذات الشمال إلا سألت نفسي عن قيمة الإحصاء الذي تشقى به الدولة من حين إلى حين، فما يجوز أن نباهي الأمم بالعدد إلا حين نثق بأن كل شخص في مصر له وجود خاص
الرأي عندي أن نكون جبهة جديدة تحارب الغفلة الفردية والاجتماعية، جبهة لا يكون فيها كتاب مراءون يخدعون الأفراد والجماعات ليتسموا بوسم الإصلاح الاجتماعي
وأعضاء الجبهة المرجوة لن يكونوا من الباكين لشقاء العمال والصناع والفلاحين بدموع التماسيح، ولكنهم سيكونون رجالاً صادقين يؤمنون بأن الشهرة كالرزق فيها حلال وحرام، ويتقربون إلى الله بالصدق، ولو عرضهم الصدق لغضب الجاهلية وكيد المتجاهلين
وبالله أستعيذ من جهل أولئك وسفه هؤلاء!
وأنا بعد هذا أنتظر آراء المفكرين الصادقين فيما تقدمت من بينات