ويعظم في نفسي يوماً بعد يوم وجه الشبه بين سير الحياة بالفرد الواحد من طفولته إلى رشده إلى شبابه إلى كهولته، وبين سير الحياة بالإنسانية جميعها من طفولتها إلى شبابها إلى كهولتها
وإني أكاد أجزم أن خطوات سير الحياة بالإنسانية كلها هي خطوات سيرها بالإنسان الواحد. . . وكل من يتفرس في الحياة الاجتماعية يجدها كحياة الفرد سواء بسواء في تدرجها من الغرائز والعواطف إلى الرشد والعقل
وكما يحصل للطفل والشاب أن يغضب كثيرا ويكون أنانيا فرديا في حاجاته، ويحطم ما أمامه ولا يبالي النتائج؛ كذلك الإنسانية في دور طفولتها: أنانية غضوب تحطم كل شيء في سبيل منفعتها الضيقة
ولكن كما تمنع التربية وضبط الأعصاب وفعل الزمن الرجولة من أن تلجأ إلى أساليب الأطفال وغرائزهم وتحبسها عن الغضب والتحطيم، إلا إذا امتدت فيها حياة الطفولة لضعف التربية، أو للشذوذ أو عدم تقدير النتائج كذلك الإنسانية لابد أن تصل إلى هذه المرحلة في يوم ما قريب أو بعيد. . .
يوحي إلي ذلك ما أراه في الحرب الحالية من عنف التحطيم وشدة البأس وجنون الإنسان وقسوة الآلة، بحيث لا يمكن مطلقاً أن تحتمل الحياة بعد هذه الحرب إذا لم تقمع الغرائز والحماقات التي أثارتها، وإذا لم يوضع أساس حياة مشتركة للإنسانية الواحدة التي ابتدأت وحدتها تبدو وتستعلن في هذه المجموعات الكبيرة من الأمم، وهذه الرباطات الوثيقة بينها ومن اختزال المسافات والأبعاد واشتباك المصالح، واشتراك مناهج الدراسة والثقافة العامة، ومن معرفة كل جنس بخصائص كل جنس، ومن الدراسات المنظمة والمؤتمرات الجامعة والجمعيات العالمية، ومن كثرة الأسفار وامتزاج الطبائع، واختلاط الأجناس وتفكير أرباب الأعمال في الأسواق العالمية، ومن تبادل تعلم اللغات والأغاني والرقصات وأدوات الزينة. ومن (الصندوق السحري): الراديو الذي سيصوغ حواس الطفولة وقلوبها غير صياغة قلوب الأباء الذين نشأوا محجوزين محجوبين بعضهم عن بعض بالسدود والحدود والتخوم، ومن (السبورة السحرية) السينما التي تنقل الدنيا وناس الدنيا وتعرض الجميع في حجرة