ينتهي من قراءتهما: الكشكول والمخلاة، وفي زاوية الشباك أكياس بيضاء نظيفة مطوية يأخذها معه كل يوم حينما يغدو لشراء الطعام من السوق، فيضع الفاكهة في كيس واللحم في آخر، وكل شيء في كيسه الذي خصصه به، وهذه الأكياس تغسل كل يوم وتعاد إلى مكانها. وعن يساره خزانة صغيرة من خشب السنديان المتين أشبه الأشياء بصندوق الحديد، لا يدري أحد حقيقة ما فيها من التحف والعجائب، فهي مستودع ثروة الشيخ وتحفه. ومما علم أهل الدار عنها أن فيها علباً صغاراً في كل علبة نوع من أنواع النقد: من النحاسات وأنصاف المتاليك والمتاليك وأمات الخمسين وأمات المائة والبشالك والزهراويات إلى المجيديات وأجزائها والليرات العثمانية والإنكليزية ووالفرنسية، كل نوع منها في علبة من هذه العلب، فإذا أصبح أخذ منها مصروف يومه الذي قدره له يوم وضع (ميزانية) الشهر، ثم إذا عاد نظر إلى ما فضل معه، فضم كل جنس إلى جنسه. وفي هذه الخزانة (وهي تدعى في دمشق الخرستان)، الفنار العجيب الذي كان يخرجه إذا ذهب ليلا (وقلما كان يفعل) يستضيء به في طرق دمشق التي لم يكن فيها أنوار إلا أنوار النجوم ومصابيح الأولياء وسرجهم، واكثر هذه السرج يضاء ببركة الشيخ عثمان نهارا ويطفأ ليلاً. . . وفيها الكأس التي تطوى. . . والمكبرة التي توضع في شعاع الشمس فتحرق الورقة من غير نار. . . وفيها خواتم العقيق التي حملها الشيخ من مكة، فأهدى إلى أصحابه قسما منها وأودع الباقي خزانته. . . وفيها الليرات الذهبية التي كان يعطيها الأطفال فيأكلونها لأنه حشوها (شكولاته). . . وكانت هذه هي عجائب الدار السبع!
وأمام الشيخ (الرحلاية) وفوقها (السكمجاية)، وهي صندوق صغير فيه أدراج دقيقة ومخابئ وشقوق للأوراق، وبيوت للأقلام في صنعة لطيفة، وهيئة غريبة، كانت شائعة يومئذ في دمشق، موجودة في أكثر البيوت المحترمة. . . . . .
والويل لمن يمس شيئاً من أدوات الشيخ أو يجلس في مكانه. ولقد جنى الجناية أحد الأطفال مرة فعبث بعلبة النشوق فأسرعت أمه فزعة وأخذتها منه وأبعدته وأعادتها إلى مكانها، فانزاحت لشؤم الطالع عن موضعها مقدار أنملة وعرف ذلك الشيخ - فكأنها أهل المنزل اسود - وحرموا بعده الدنو من هذا الحمى!
كان الشيخ في الثمانين ولكنه كان متين البناء شديد الأسر، أحاط شبابه بالعفاف والتقى،