للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخوان. . . والقبقاب؟ هل هو في مكانه. . .)! وتهم أحيانا بالنهوض لتستقبل زوجها؛ وكانت بنتاها وكنتاها بمرضنها ويقمن في خدمتها فإذا أفاقت حدثتهن وسألتهن عن الشيخ هل هو مستريح؟ ألم يزعجه شيء؟ والدار؟ هل هي كما تعهدها أم قد اضطربت أحوالها؟ ذلك همها في مرضها وفي صحتها، لا هم لها سواه

وحل موسم المعقود وهي مريضة فلم تطق على البقاء صبرا، وكيف تتركه وهي التي لم تتركه سنة واحدة من هذه السنين الستين التي عاشتها في كنف زوجها، بل كانت تعقد المشمش والجانرك والباذنجان والسفرجل، منه ما تعقده بالسكر ومنه ما تعقده بالدبس، وكانت تعمل مربى الكباد واليقطين، فيجتمع لها من أنواع المعقودات والمربيات والمخللات (الطرشي) ومن أنواع الزيتون الأسود والأخضر والمفقش والجلط وأشكال المكدوس معمل امقار (كونسروة) صغير تقوم به هذه الزوجة المخلصة وحدها صامتة، ولا يعيقها ذلك عن تربية أولادها ولا عن إدارة منزلها وتنظيفه ولا عن خياطة أثوابها وأثواب زوجها وبنيها، بل تصنع مع هذا كله البرغل، وتغسل القمح وتعجن العجين، وكذلك كانت الزوجات في القرن الماضي

حل الموسم فكيف تصنع العجوز المريضة. . .؟ لقد آلمها الأمر وحز في كبدها، وبلغ منها أكثر مما بلغ المرض بشدته وهوله، فلم يكن من ابنتها المخلصة وكنتها الوفية إلا أن جاءتا بالمشمش فوضعتاه أمام فراشها وطفقتا تعقدانه أمامها، وتعملان برأيها فكان ذلك أجمل ما تتمنى العجوز

واشتدت العلة بالمرأة وانطلقت تصيح حتى اجتمع حولها أهل الدار جميعاً، ووقفوا ووقف الأطفال صامتين وحبهم لهذه العجوز الطيبة التي عاشت عمرها كلها لزوجها وبنيها يطفر من عيونهم دمعا حاراً مدراراً، وهم لا يدرون ماذا يعملون، يودون لو تفتدى بنفوسهم ليفدوها. ثم هدا صياحها، وجعل صوتها يتخافت حتى انقطع، فتسلل بعض النسوة من الغرفة، ووقف من وقف حائرا يبكي

ولكن العجوز عادت تنطق بعدما ظنوها قضت، فاستبشروا وفرحوا؛ وسمعوها تتكلم عن راحة الشيخ وعن المائدة والساعة الثامنة والبابوج والقبقاب. . . بيد أنها كانت يقظة الموت، ثم أعقبها الصمت الأبدي. وذهبت هذه المرأة الطيبة، وكان آخر ما فكرت فيه عند

<<  <  ج:
ص:  >  >>