بماله؛ وإذا أقام أحدهم وليمة، أو كان عنده عرس أو ختان، فكل ما في الحي من طباق وصوان وكؤوس تحت يده وملك يمينه
مر دهر والحياة في هذه الدار سائرة في طريقها لا تتغير ولا تتبدل ولا تقف. مطردة اطراد القوانين الكونية، حتى جاء ذلك اليوم. . . ودقت الساعة دقاتها الثمان، وتهيأ أهل الدار على عادتهم لاستقبال الشيخ؛ ولكن العجوز الطيبة والزوجة المخلصة لم تكن بينهم، وإنما لبثت مضطجعة على الأريكة تشكو ألما شديدا لم يفارقها منذ الصباح. وأدار الشيخ مفتاحه ودخل فلم يرها وهي التي عودته الانتظار عند الباب، ولم تحد عن هذه العادة مدة ستين سنة إلا أيام الوضع ويوم ذهبت لتودع أباها قبل وفاته؛ فسأل الشيخ عنها بكلمة واحدة أكملها بإشارة من يده، فخبرته ابنته وهي تتعثر بالكلمات هيبة له وشفقة على أمها، أنها مريضة. فهز رأسه ودخل، فلما وقع بصره لم تتمالك نفسها فنهضت على غير شعور منها تقبل يده، فلما مست أصابعه أحس كأنما لمسته جمرة ملتهبة؛ وكان الشيخ على ما بيده من شدته وحزمه وحبه النظام، قوي العاطفة، محبا لزوجته مخلصاً لها، فرجع من فوره ولم يأكل، ولم يدر أحد في المنزل لماذا رجع ولم يجرؤ على سؤاله واكتفوا بتبادل الآراء في تعليل هذه الحادث الغريب، الذي يشبه في أنظارهم خروج القمر من مداره. ومضت على ذلك ساعة أو نحوها، ثم سمع المفتاح يتحرك في الباب فسكتوا وحبسوا الأنفاس وترقبوا هذه المفاجأة. فدخل الشيخ وصاح:(روحوا من الطريق)؛ فاختبأ النسوة ليدخل الضيف، غير أنهن نظرن من شق الباب - على عادة نساء البلد - فأبصرن الطبيب وكن يعرفنه لتردده على المنزل كلما تردد عليه المرض. . . وكان الطبيب شيخاً وكانت بينه وبين العجوز قرابة، ومع ذلك فقد أمر الشيخ العجوز بلبس ملاءتها وإلا تظهر منها إلا ما لابد من إظهاره؛ ثم أدخله عليها، فجس نبضها، وقاس حرارتها، ورأى لسانها. وكان ذلك منتهى الدقة في الفحص في تلك الأيام، ثم خرج مع الشيخ يساره حتى بلغا الباب، فودعه الشيخ وعاد، فأمر بأن تبقى العجوز في غرفتها وإن تلزم الحمية وتتناول العلاج الذي يأتيها به. . .
مرت أيام طويلة والعجوز لم تفارق الفراش، وكان المرض يشتد عليها حتى تذهل عن نفسها، وتغلبها الحمى فتهذي. . . (صارت الساعة الثامنة. . . يلا يا بنت، حضري