وإني لكذلك إذ ارتفع بصري إلى دائرة هائلة الأقطار كأنها صفحة الساعة التي نقيس بها الزمن، ولولا أنها شيء لا يدرك له آخر ولا تظهر لعقربيه حركة، ولولا أن العقربين لا ينتهيان ولا يزالان ذاهبين ذاهبين إلى وجهة بخيل إليك أنها حافة وما هي بحافة، ولكنها أشبه شيء بخط الأفق المخلوق من وهم الناظر إليه الأبد كله يقاس بهذه الصفحة!! أو هي الساعة السرمدية التي ترصد بها حركات الأكوان، إن صح أن تسمى هذه الساعة وهي تشمل كل حين!
يقول الراوي: وألمح على الصفحة علامات مختلفة الشيات، لا أهم بأن استوضحها حتى يتضح لي جواب ما هممت بالسؤال عنه كأنه خطرة من خطوات الضمير لا أسمعها ولا أرى قائلها. . . هذه علامات السعود والنحوس، وهذه مفاتيح الإسراع والإبطاء، وهذه لوالب الأفلاك ومنها فلك الأرض الصغير، وهذه وهذه إلى آخر ما في الصفحة السرمدية من مجهول ومعلوم
وتتحرك يدي إلى مفتاح من المفاتيح، ويهجس في ضميري المجيب الذي لا أسمعه ولا أراه: مكانك! إلى أين؟
قلت: إلى المفتاح الذي يعبر أوقات النحوس في لمحة عين
قال: ويحك. وما أنت وعلم هذا؟ وأي نحوس تريد؟ نحوسك أنت، أو نحوس العالم أجمع، أو نحوس فريق من الناس دون فريق؟ هذه أسرار لا تهديك فيها العلامة ولا يطيعك فيها المفتاح. وإنما قصاراك أن تنظر في الساعة التي تخص حياتك إن اهتديت إليها. فهنالك ترى من ساعاتك وأيامك ما يقتضب أو يستطال، على شروط يدلك عليها الدليل الموكل بتلك الآجال
قلت: وأين أجد هذه الساعة أصلحك الله؟
قال: في خلف هذه الصفحة. . . فهنا صفحة الكون الخالد وهناك صفحات الأحياء من أبناء الفناء
واستدرنا أو خيل إلينا أننا نستدير فإذا الدوائر أمامنا متشابكات متداخلات لا يحدها الطرف ولا يحصيها الحساب، وإذا بالمجيب الذي لا أراه ولا أسمعه يشير إلى إحداهن ويقرئني عليها أسمي وعلامات السعد والنحس في عمري، ويقول لي: دونك ساعتك فاصنع بها ما