أنت صانع. فهي إن عمرت أو خربت لك أو عليك قلما يضار من جرائها أحد سواك
ثم يعود صاحبنا فيقول: وأعلم أنك لا تأخذ السعادة ولا تتقي الشقاوة في هذا المكان، فإنما هو للحصر والتسجيل ثم تحال إلى الخزانة التي فيها ما تشتهيه وتتقيه، فعلى حسب ما في يدك من سجل أوقاتك وسعادتك وشقاواتك يكون التسليم من يد الخازن الموكل بهذه الأمور
ودارت المفاتيح، وذهبت إلى الخازن، وأريته السجل والتعداد، وانتظرت ما يقول، فإذا هو يراجعني مراجعة البائع المتحرج الذي تأبى له ذمته أن يستر بخساً أو يبالغ في مزية، ولا يثنيه عن ذلك غضب ولا استعجال
قال: هذه سويعات بل لحظات لك في سجل السعادة، أفأنت نازل عن عمرك كله من أجل هذه اللحظات؟
قلت: أو ليست هي سعادة خالصة؟
قال: بلى، ولكن مأمور بأن أبصرك بالحقيقة قبل أن آخذ منك أو أعطيك
فهذه اللمحات لا يدخل فيها الوقت الذي تشتاق فيه إلى السعادة، ولا الوقت الذي تحن فيه إلى ذكراها، ولا الوقت الذي تعرف فيه قدرها بفقدانها والشعور بالفارق بينها وبين نقيضها.
وهذه اللمحات تتصل بسعادات أناس آخرين لولا هم لما ظفرت بحصتك التي كتبت بعنوانك، فإما أن تتسلموها جميعاً أو تتركوها جميعاً ولا انفراد لك بالرأي فيما تختار
وهذه اللمحات إنما هي كالري للظامئ فلا إرواء لها إلا بعد إظماء، ولا محل للإيجاز في أوقات الشقاء إلا أن تصاب لمحات السعادة بمثل هذا الإيجاز
قلت: أني أغليت الثمن وبذلت عمراً كاملاً في سبيل هذه اللمحات القصار
قال: أنك لم تبذل شيئاً بل استرحت مما أنت باذل من شقاء، ولهذه الراحة ثمنها، فمن عسى أن يبذل الثمن غير المستفيد؟
قلت: أننا في عالم الدنيا نشتري الحلو والحامض ونلقي بالحامض جانباً إذا كرهناه، وغاية ما يسومنا البائع أن يبيعنا الفاكهة المنتقات بأغلى من سعر الفاكهة التي ليس فيها انتقاء. فلم لا تتبعون في بيعكم وشرائكم ما نتبعه فيما بيننا من بيع وشراء؟
قال: ذلك لأن حلاوة الحلو عندنا من حموضة الحامض، فليس بينهما انفصال!