فأجابني: والنتيجة أننا ننقصك من السعادة بمقدار ما ننقصك من الشفاء، وليس الأمر كما ظننت زيادة على هذه يقابلها نقصان من ذاك
يقول الراوي: فتدبرت كلام الخازن الناصح فوجدته على صواب، وتبين لي أن الصفقة لا تنعقد إذا هي انعقدت إلا على ما أشترط ووفق ما رسم. فهذه الساعة التي نعمت بها لأنني قضيتها مع من أحب، كيف أنتزعها وحدي وأعزل حسابها من حساب عمره؟ وهذه الواحة التي ابتهجت بها لأنني عبرت إليها الصحراء كيف أبتهج بها ولا أبتئس بصحرائها؟ وهذه المرارة في كأس الفتنة، كيف أتركها ولا أترك معها نشوتها وأحلامها؟ وهذه الخلاصة كيف أستخلصها ولا أتعب في استخلاصها
أيها الخازن الناصح: شكراً لك، فقد نصحت وأبلغت فهل يضيع تعبي في تقديم الساعة بغير جزاء؟
أيها الباحث عما ليس يوجد: هذا هو الجزاء، وهكذا يتعب من يختصر العمر ليختصر الشقاء!
وبعد فقد كتبت في السنة الماضية عن تقديم الزمن وتأخير الزمن، فحق لهذه السنة أن نحفل بتقديم ساعاتها وإن كنا لا نقدم ولا نؤخر بهذا الاحتفال
وأراني عشت عشرين سنة ولم أتبين جديداً يقال منذ قلت:
تبغي السعادة لا سعادة مثلها ... والعدم قسمة طالب الإكسير
ومنذ تبين لي أن الفقر نصيب من يطلب الإكسير الذي يعطي المعادن الخسيسة قيمة الذهب الإبريز، وأن الشقاء نصيب من يطلب الإكسير الذي تتساوى به معادن الأيام فكلها نفيس وكلها محمود وكلها سعيد؛ فلا ذاك يبلغ الغنى ويسلم من الفقر، ولا هذا يبلغ السعادة ويسلم من الشقاء، وحسبنا نصيب أهل، الفناء فهم في أخر الأمر تراب، وكل ما أصابوه أنفس من التراب