وهو ضروري للدين، لأن الدين عدو الجهالة والجمود، ولو كان الإسلام يرضى بالجهل أو يسكت عنه، أو يحب الجمود أو يصبر عليه، لما عاش هذا العمر المبارك الممتد إلى آخر الزمان إن شاء الله، بل لما وصل إلينا اليوم إلا طعيناً جريحاً، أو هرماً عملت الليالي والأيام فيه، ولكنه وصل إلينا شاباً تجري في شرايينه دماء الحياة نقية متدفقة، وصل إلينا قوياً غلاباً مرَّ بحضارات وحضارات فلم يضق بشيء منها صدراً ولم يقف أمام واحدة منها حائراً متردداً، ولا مأخوذاً مشدوهاً؛ وصل إلينا سليما منتصراً، قد تكسرت من حوله النصال، وتحطمت السهام؛ ذلك بأنه دين الفطرة والعقل والعلم الإصلاح!
وهذا الفهم الصحيح ضروري للأمة نفسها، لأن الأمة تنشد لأبنائها ثقافة قومية إسلامية خالصة، ولا ترضى بأن تفنى في غيرها، أو تؤخذ بثقافة غربية عنها عاجزة عن أن تمدها بوسائل الحياة التي تصلح لها، قاصرة عن أن تثير في نفسها شعور العزة والكرامة والتطلع إلى تاريخها ومفاخرها. تنشد الأمة لأبنائها هذه الثقافة وتتجه إلى الأزهر طالبة منه أن يمدها بها، لأن الأزهر قد زامل تاريخها الذي به تعتز، ولأنه هو الذي حفظ لها هذه الكنوز في الدين والفقه واللغة والأدب، ولأن الأزهر هو مدرسة الشعب العليا التي تجمع ابن الفلاح وابن الصانع وابن التاجر من سواد الأمة الذين يفهمون حاجاتها، ويدركون ما يصلح به شئونها!
فإذا ما تخلف الأزهر عن تلبية هذه الرغبة، ولم يقابل ثقة الأمة به، وتعويلها عليه، بالنشاط والعمل والتقدم نحو الكمال، ولم ينتفع بهذا المركز الفريد الذي ميزه به تاريخه وعلومه وطبيعة رسالته - أذاق الأمة لباس الحرمان والفجيعة، ودفعها إلى أعداء الإسلام كرهاً من حيث لا يحتسب
تقول الأمة الإسلامية للأزهر: إن من أعز آمالي أن أحمل عليك عبء تزويدي بما أحتاج إليه من قانون وتشريع، وفقه وقضاء، وأن أعمل برأيك الناضج في جميع نواحي الحياة: في الاجتماع، في الاقتصاد، في السياسة، في العلم، في الأدب، ولكن ينبغي أن يكون منك تقدم وخطوات عملية في جميع هذه النواحي، تشعرني بأنك عرفتها ودرستها عن خبرة وفهم وتحقيق ومقارنة، ولا أكتفي منك بهذه الدراسات اللفظية الأثرية، ولا بهذه الأفكار التقليدية التي لو كان أصحابها الآن بيننا لتخلو عن كثير منها