للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك كله فتيلا. فيئست. . . ولما كفلوها هذه الطفلة تلقتها بسرور. واتخذتها ابنة لها. . .

كانت الطفلة في التاسعة من عمرها يوم مات أبوها. فلم تلبت في بيت شتيوي سنين حتى نمت واكتملت، وغدت اجمل فتاة في البلد، ولكنها كانت غريبة عن نساء البلدة فهي شقراء، لها عينان زرقاوان، وجسم متناسق جميل، كأنما هي إحدى الفتيات اليونانيات اللاتي عرفناهن في حي المهاجرين في دمشق.

بل كأنما هي ديان، غادية إلى الصيد!

وكانت تجول كل يوم في هذه الصخور؛ لا كما يجول نساء دمشق إذ يمشين متباطئات متكاسلات نصف ساعة في طريق المنشية، أو في شارع بغداد، ثم يعدن في عربة، بل كما يجول الراعي النشيط ساعتين أو ثلاث تقفز فيها كما تقفز الغزال الشارد، كأن لها خفته وملاحته.

وكانت غريبة في طباعها وأخلاقها، كما كانت غريبة في شكلها، وصورتها، فلما اكتملت أنوثتها وتفتحت زهرة الحب في قلبها، لم نجد لها قاطفا، إذ لم يكن في الناس من يجرؤ على الزواج بفتاة لقيطة لا تعرف أسرتها ولا يعلم نسبها، فضلا عن إنها تقرأ، وإنها قد قرأت كل ما كان مع أبيها من كتب وحفظت ما فيها من كفر وترهات.

كانت الفتاة تعود إلى البيت حينما تعود الشمس إلى خدرها، فتملأ البيت طربا ومرحا، فلما كان ذلك اليوم الذي قلب عليها حياتها، لم تعد إلا في ظلمة الليل، وكانت تهبط الصخر بحذر تحمل شيئا ثقيلا حتى بلغت الدار فولجتها وقد أنهكها التعب، ولكنها كانت هاشة باشة ككل فتاة في السابع عشرة من عمرها، فوضعت حملها برفق على إحدى الأرائك، وقالت لامها في سذاجة:

هاك زوجي، وجدته طريحا عند الصخرة الشرقية. وقد أغمى عليه من هذا الجرح، ستعنين به اجمل عناية حتى إذا ما شفي تزوج بي. . . أليس كذلك؟

فهزت المرة رأسها وقد حدثها قلبها وقلب المرأة (ترمومتر) الحياة - بكارثة، ولكنها لم تجد مجالا للقول فانصرفت إلى العناية بالجريح - وكان ضابطاً ألمانيا جميلا قد خرقت صخرة قذاله وشجته شجا عميقا. ودعت المرأة زوجها فشرع يعالجه بالبلسم والحراقة وما إليها من الطرق البدوية التي قلما تخطيء في مثل هذه الحالات. والفتاة متعلقة به تسأله عن مبلغ

<<  <  ج:
ص:  >  >>