الأمل في شفائه، وترجوه ألا يدخر وسعا في معالجته، لأنها تود شفاءه ليكون لها زوجا، ولما تمت العملية ألقت المريض على سريرها. وألحت على الرجل وزوجه أن يدعا خدمته لها. ففعلا.
جثت أمام السرير كما يجثو العابد في صلاته. وراحت تتأمل وجهه وعينيه المغمضتين في ذهول عميق ونشوة غريبة. وتجرؤ أحيانا على مس شعره الأشقر المتهدل على العصابة مسا رقيقاً، كما يمس المرء شيئا يقدسه ويخشاه ثم تقبض يدها في سرعة. . .
نديدة! نديدة!
نعم يا بابا
ألم تنامي بعد؛ دعي المريض فانه لن يفيق من غيبوبته قبل الصباح
نعم سأنام
ولكنها لبثت جاثية أمام السرير
لبث الرجل وزوجه ينصحانها. يحاولان أن ينزعا غرس الحب من قلبها قبل أن يقوى ويشتد، فكانت تعرض عنهما وتعيد أبداً كلمتها الأولى: هذا هو زوجي.
مر على هذه الأمسية عشرون يوما لم تفارق فيها الفتاة الضابط ولم تعد تجول كما كانت ولم تعد تفكر في شئ. . . وكان الناس يتساءلون عن صلة هذا الإفرنجي الكافر بأسرة شتيوي، فإذا قيل لهم انه مريض وانهم يعالجونه. انصرفوا إلى أعمالهم ساخرين.
وصحا الضابط وذكر كيف خرج يتصيد فجره الصيد إلى هذه القرية، وكيف زلت قدمه فوقع من ذروة الصخرة، وأحس بالدم الحار يسيل على عنقه، ثم لم يعد يذكر شيئا. . . إلا انه فتح عينيه فوقعتا على عيني فتاة جميلة، حسبهما في الوهلة الأولى، عيني زوجته الفاتنتين الزرقاوين، وانه وجد نفسه على سرير نظيف محاطا بالعناية والعطف، وانه لبث ينظر إلى الفتاة في صمت وخشوع وشكران نظرات طويلة، ثم مد يده إلى يدها الرخصة اللينة فأخذها إلى فمه، ليخط عليها أول كلمة من القصيدة التي تضطرم بها نفسه، قصيدة الشكر للجميل، والشوق للجمال، وان الفتاة لازمته بعد ذلك ملازمة الظل، وحرصت على سروره وهنائه، فكانت تحدثه أطيب الأحاديث البدوية وألذها، فكان يجيبها بعناء ومشقة، لضيق العربية عليه، ويعجز ان يأتي بالكلمة المناسبة فيأتي بها بالألمانية فتفهمها الفتاة