وهي لا تعرف من الألمانية كلمة، كأنما هي في قلبه، أو كأنما هو - وذلك اصح - في قلبها، ولكن شيئا من ذاك لم يتجاوز في رأيه صلة المجاملة والمتعة بالجمال.
أما الفتاة المتفتحة للحب فقد كانت ترى في هذا كله علامة على الحب الصادق الذي كانت تتوق إليه وتحلم به. وقد ابتغى لها الضابط شتى المعاذير في هذا الموقف حينما اخبره به الشيخ شتيوي، وأعطاها كل الحق في أن تحب. أما أن تصر على اتخاذه زوجاً لها وهو الرجل الألماني المتزوج، وهو الموظف الذي لم يبق من إجازته غير أسبوعين. فأمر مضحك لم يستطع برغم احترامه لشتيوي وشكره إياه إلا أن يتلقاه بقهقهة طويلة مجلجلة.
ما هي جريرتي إذا هي قد أحبتني؟ لم أني أشجعها على هذا الحب. ولم اقطع لها أي وعد بالزواج. وما وقفت منها إلا موقف الرجل المهذب الشاكر. ففسرت ذلك بأنه الحب.
ولكنه تألم إذ يحمل إلى الفتاة التي حملت إليه البرء والحب الألم واليأس. وجرب الإعراض والإساءة إليها علها تنساه. وتنقطع هذه الصلة بينهما من غير أن تخلف وراءها قلبا داميا. فلم يفده ذلك شيئا، وازداد حب الفتاة اضطراما. فأزمع السفر مضطراً وأزف الوداع فتعلقت به وأبت أن تفارقه. وأعرضت عن كل نصيحة، ولم تنفع فيها موعظة ولا زجر. فاقتربت زوجة شتيوي من الضابط وهمست في أذنه كلاما فعاد طلقا مستبشراً. فامسك بيدي الفتاة بحنو وقال لها:
ساعود لأتزوجك. فدعيني اذهب لأعد عدة الزواج. سأعود. . . فتركته الفتاة مصدقة ووقفت على الصخرة التي لقيته عندها تبكي وتشير إليه بمنديلها حتى اختفى. فعادت إلى البيت تقول لامها:
لقد وعدني ان سيعود. سيتزوجني!
نعم سيعود!
مر شهران تصرّم فيهما صبر الفتاة. فكانت تمضي نهارها حيال خريطة قديمة كانت بين كتب أبيها تنظر فيها. وتحاول أن تعرف أين تقع ألمانيا من وجه الأرض، وكم هي المسافة إليها. ولكنها لم تكن تعرف شيئا عن البحار ولاعن الوسائط النقلية. فكانت تصوراتها لا تعدو أن تكون أحلاما مبهمة.
وكانت تبكي بكاء خافتا وهي مكبة على الخريطة. وتستعيد في نفسها صورة الضابط