ذلك أثره في الناس عن طريق الاقتباس؛ أما أثره في أعقاب بركليس والإسكندر فمن طريق الوراثة المتحدرة في الدماء حاملة مجد السلطان والغلَب، وعظمة الفكر والروح، وعزة الملك والقيادة، ومزية الإبداع والخَلق، وفضيلة الجمال والحق، وسمو الإيمان والعقيدة؛ فكان يونان اليوم كيونان الأمس مثلاً مضروباً في شهامة النفس وشجاعة القلب وحمية الأنف وصدق الوطنية والضرب في الأرض من أفق إلى أفق
أولئك أعقاب رومة يتمثلون في الطاغية (موسو)؛ وهؤلاء أخلاف أثينا يتمثلون في الرئيس ماتكساس. هناك الرأس الخواء، والقلب الهواء، والصلف البغيض، والغرور العريض، واللسان الطائش. وهناك العمل الصامت، والقول الثابت، والدماء التي تفور بمزايا الجنس، والقلوب التي تنبض بحب الوطن. ويشاء الله عزت حكمته أن يخرج العبرة للناس في هذه الكوارث الموئسة من تراث وتراث وجيل وجيل، فسلط نُعَرةَ نيرون على أنف الدتشي فوقف على ماسورة مدفع ضخم، ثم رفع أنفه إلى السماء، وبسط يده في الفضاء، وأرسل أمره الأرعن إلى عديده وحديده أن يخترقا حدود اليونان وهم في إغفاءة الفجر ينعمون تحت الكلل بأواخر الأحلام السعيدة. فسالت من البانيا فِرق الجيش الإيطالي بسياراته المصفحة، ودباباته المسلحة، وطائراته الموقرة بالقذائف والرصاص؛ وعلى رأس الطليعة المزهوة قائد جهم الوجه، كثيف اللحية، غليظ الألواح، يحمل إلى الجيش اليوناني المضطرب الهالع شرط الهدنة وصك الأمان!
يا سخَر القدَر ممن زعم أنه يصرِّفه! ويا عار (سيزار) ممن ادعى أنه يخلفه! ما باله يرمي فترميه أبابيل من طيور العذاب، ويهجم فتصده حصون من سواعد الشباب، ويصيح بأبطال الألب فلا يجيبه إلا صناديد الأولمب بالهجوم الجارف والضرب الدِّراك والقصف المزلزل، فذوو القمصان السود كالأرانب يتوارون في أخاديد الأرض، ويلوذون بجلاميد الصخر؛ فإذا أعجلهم الفزع عن التماس النجاة ألقوا السلاح صاغرين واستأسروا!
حينئذ تصبب الزعيم الشحيم عرقاً لا ندري أمن الكلال هو أم من الخجل، فأقسم ليحشدن الإمبراطورية كلها أمام الجيش اليوناني الصغير الفقير الذي يقاتل الطائرات بالحجارة، وينازل الدبابات بالسلاح الأبيض، ويزوده بالميرة والذخيرة النساء والشيوخ والأيفاع في شعاف الجبال وبطون الأودية، فكانت أفواج الجيش تذوب أمامه ذوبان الشمع، وأمواج