على غيبه أحداً، وبأن للعقل حداً يجب أن ينتهي إليه، ويقف عنده
١ - كانوا يؤمنون - كما نؤمن - بأن لله ملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون: ولكنهم لا يكلفون أنفسهم بعد ذلك الوصول إلى حقيقة هؤلاء الملائكة ولا تعرف كنههم، وهل هم أجسام نورانية أو أرواح علوية أو نحو ذلك؟
٢ - وكانوا يؤمنون بيوم الحساب - كما نؤمن - وبأن الله سيخرج للناس كتباً فيها أعمالهم، يلقونها منشورة، وبأنه سيضع الموازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئاً، ولكنهم لم يكونوا يكلفون أنفسهم ما وراء ذلك من معرفة هذا الكتاب، ولا أين تكون ساحة هذا الحساب، ولا حقيقة هذه الموازين، وكيف تقام، وهل لها كفتان ولسان، أو هي على شكل ميزان القبان، وهل هي من حديد أو نحاس، وهل تجسد الأعمال ثم توزن بها، أو تكتب في صحف ثم توضع في كفتيها
٣ - وكانوا يؤمنون - كما نؤمن - باللوح المحفوظ، ولكنهم لا يكلفون أنفسهم أن يثيروا نقاشاً أو جدالاً حول هذا اللوح: ليعلموا أنه فوق السموات السبع أو تحتهن، أو أن مساحته كذا وكذا، أو أن قلمه كيت وكيت!
٤ - وكانوا يؤمنون - كما نؤمن - بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، لكنهم لا يتطلعون إلى معرفة كنه هذه الحياة، ولا نوع هذا الرزق
٥ - وكانوا يؤمنون بأن الرحمن على العرش استوى:(وأينما تولوا فثم وجه الله) و (يد الله فوق أيديهم) و (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)؛ ولكنهم لا يشغلون أنفسهم بالبحث في الاستواء وكيف كان، ولا بالسؤال عن اليد أو الوجه أو تأويل معناهما، ولا يتطلعون إلى معرفة حقيقة هذه المصاحبة وعلى أي حال تكون
سئل مالك - رضي الله عنه - عن معنى الاستواء المذكور في القرآن، فغضب وقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة!
وسئل علي - رضي الله عنه -: كيف يحاسب الناس يوم القيامة؟ وهل يكون ذلك دفعة واحدة؟ فأجاب: يحاسبون كما يرزقون!
وكان عمر - رضي الله عنه - يضرب أمثال هؤلاء بالدرة ويعنفهم ويتعقبهم، وقد مر