وابن خلدون تكلم مراراً على البابا، من ذلك ما ورد في مقدمته ونقلناه في صدر هذا البحث، ثم قال:(وأردوا أن يميزوا البطرك عن الأسقف في التعظيم فدعوه البابا، ومعناه أبو الآباء. وظهر هذا الاسم أول ظهوره بمصر، على ما زعم جرجيس بن العميد في تاريخه، ثم نقلوه إلى صاحب الكرسي الأعظم عندهم، وهو كرسي رومة، لأنه كرسي بطرس الرسول كما قدمناه، فلم يزل سمة عليه إلى الآن. . .)
وممن كرر أسم البابا مراراً المقريزي. فقد قال في كتابه المواعظ والاعتبار طبعة بولاق (في٤٨٤: ٢): (وكان بطرك الإسكندرية يقال له البابا. . . ومعناه أبو الآباء؛ ثم انتقل هذا الاسم عن كرسي الإسكندرية إلى كرسي رومية. من أجل أنه كرسي بطرس، رأس الحواريين، فصار بطرك رومية يقال له البابا، واستمر ذلك إلى زماننا الذي نحن فيه). انتهى
ونحن لا نريد أن نمعن أبعد من هذا في المدى لإيراد الشواهد على هذا الاسم، وأنه لاتيني، أي رومي أو روماني، ففيها مجزأة، لمن يتحرى الحق، ويرمي إليه.
فهذه سبع لغات في البابا، وهي: الباب، والباب. والبابة، والبابة، والبابَّ، والبابا، والبابا. وكل كاتب، حاول أن يؤدي اللفظ على ما ينطق به أصحابه، ولم يحاول واحد منهم أن ينقل معناها إلى العربية، بعكس ما يفعل اليوم بعض المتفصّحين والمتحذلقين من السوريين وأشباههم
وأما البطرك، فقد اختلفوا في تعريبهم إياه اختلافهم في الباب، والإنبراظور. قال في التاج في (ب ط ر ك): (البطرك، كِقمطر وجعفر، أهمله الجوهري. وقال الأصمعي: هو البطريق، وهو مقدم النصارى، وبه فسر قول الراعي يصف ثوراً وحشياً:
يعلو الظواهر فرداً لا أليف له ... مشى البطرك عليه ريط كتان
ويروى مشى النطول، وهو الذي يتنطّل في مشيتِهِ، أي يتبختر. قالهُ الأزهري، أو سيّد المجوس. قال الأزهري: وهو دخيل ليس بعرَبي) اهـ.
قلنا: البطرك: يوناني، وهو في هذا اللسان أو ومعناه الأب الأكبر أو الأب الديني
وقال في صبح الأعشى (٤٧٣: ٥): (البطرك: بباء موحدة مفتوحة، ثم طاء مهملة ساكنة، وبعدها راء مهملة مفتوحة، ثم كاف في الآخر. وهو لقب القائم بأمور دين النصرانية. . .