وبعض الرحلات أو الهجرات يكون ضرورياً لإكمال دعوة في أرض بعيدة غريبة، واجتناب أذى في دار قريبة حبيبة، ومن ذلك هجرة النبي محمد عليه السلام إلى المدينة بعد ما أوذي في مكة بين أهله وعشيرته مما هو مدون بالتفصيل في كتب السيرة الزكية
ولقد هاجر بعض المسلمين الأولين إلى الحبشة فراراً من الأذية، واستجابة لدعوة الجهاد - والحبشة بلاد كانت معروفة عند العرب وكان الاتصال بينها وبين الجزيرة قائماً إلا أن الإسلام زاده ووسعه. وكان في استطاعت بعض الراحلين أليها من المسلمين أن يدونوا رحلتهم ومشاهدها، إلا أنهم لم يفعلوا. ولعل مشاغل الجهاد ومتاعب الكفاح صرفتهم
والرحالة الذكي الفطن يستفيد دائماً من رحلته علماً وتجربة، ويكتسب منها فوائد، ويفتح عينيه دائماً على ما أمامه من مشاهد وما يلاقيه من معالم. فلا يدع شيئاً يمر من غير أن يقف على حقيقته، أو يكشف عن ماهيته، كما صنع بعض الرحالين من العرب الذين سنشير إليهم فيما بعد
وتزداد الرحلات بالطبع تبعاً لسهولة الاتصال بين المكان والمكان؛ فإن الاتصال هو الأداة الوحيدة لاستكمال الرحلة ونجاحها. ومن هذا نفهم قلة الرحلات وندورتها في الزمن القديم
وقد كان لقريش قبل الإسلام رحلتان عظيمتان: إحداهما إلى اليمن والأخرى إلى الشام. أشار إليهما القرآن الكريم في سورة خاصة من القصار. وكانتا تتعاوران في كل عام. وكان فيهما بالطبع ما في كل رحلة من لذة ومتعة واستجمام وطرائف ومشاهد. . . إلا أن ذلك كله لم يدون لمكان العرب من الأمية ومنزلتهم من البداوة. . . واكتفى أعضاء هذه الرحلات - وسنسميهم رحالين تجاوزاً - بقص القصص وسرد الحديث وإطالة الأسمار كلما حطوا الرحال إلى مكان، أو أستقر بهم النوى في أي مستقر
ومن حكماء العرب وشعرائهم من جاب البلاد، وطاف كل مطاف، وأنهم وأنجد، وشرق وغرب؛ إلا أنه لم يسجل لرحلته تاريخاً ولم يضع لها ثبتاً، ولكنه مضى على السفر إلى غير غاية. . . اللهم إلا المتاع ورياضة النفس واستجمام الخاطر. وقليل منهم من سافر لحكمة يصطادها أو معرفة يقتنصها
ولقد طوف امرؤ القيس في الجزيرة فخرج من بني أسد، ومر على السموأل بن العاديا في حصنه، وذهب إلى اليمن؛ وشاهد الموج يصطخب في البحر ويتعالى لجة فوق لجة فشبه