عمله لدرس حالة البلد الذي ينزل فيه. واتصل بالملوك، وخالط السوقة وعمل في أشرف الأعمال، وزاول أحقرها. ولقي في تأليف الرحلة وتدوينها عنتاً كثيراً ليكون كلامه عن صدق، وروايته عن تجربة، أو كما قال هو عن نفسه:(وإنما ذكرت هذا القدر ليعلم الناظر في كتابنا أننا لم نضعه جزافاً، ولا رتبناه مجازاً، فكم بين من قاسى هذه الأسباب وبين من صنف كتابه في الرفاهية ووضعه على السماع)
ومن الرحالين المشهورين ابن جبير الأندلسي وابن سعيد المغربي صاحب كتاب (المغرب)، وياقوت الرومي صاحب المعجمين المشهورين:(معجم الأدباء) في تراجم الرجال (ومعجم البلدان) في جغرافية البلاد
وفضل معجم البلدان على كتب الرحالين جميعاً أنه - كاسمه - معجم مرتب ترتيباً أبجدياً لكل بلد أو مكان أو قطر مشهور أو مغمور، أو أرض عامرة أو غامرة، أو مدينة صغيرة أو كبيرة. وطالما أسعف الأديب بطلبته في الكشف عن محلة، أو الاهتداء إلى موضع، أو تحقيق غوطة، أو معرفة واد، أو متابعة نهر في مجراه. ويتخلل ذلك كله شعر جميل، أو رواية واسعة، أو قصة طريفة، أو حادثة تاريخية، أو ذكر يوم من أيام العرب
ولقد أعتمد عليه من أتى بعده من الرحالين في تحقيق الأماكن، ومعرفة المواطن. ولابن بطوطة شهرة واسعة برحلته المعروفة. وتمتاز بما فيها من ذكر الكرامات واستطراد الحكايات، وتصديق الخرافات. . . ويظهر أن صاحبها كان حسن الاعتقاد سهل التصديق. والحق أنها ليست تَسْوي من الناحية الأدبية شيئاً بالقياس إلى الناحية الجغرافية؛ ومؤلفها من رحالي القرن الثامن الهجري، المقابل للرابع عشر الميلادي
ولقد سكنت ريح الرحلات حيناً في عصور الاستبداد المظلمة لقلة الأمن وصعوبة الرحلة. ويظهر أن سلسلة الرحلات العربية كانت باعثاً لرحلات الغربيين التي تمخضت عن كشف أستراليا وجزرها. وكشف العالم الجديد الذي يبلغ عمره الآن أربعة قرون ونصف القرن
وفي مفتتح القرن التاسع عشر عاد العرب إلى نشاطهم في الرحلات. وكان حظ مصر في هذا المضمار عظيماً؛ فظهر جماعة من الرحالين الذين أنتجوا كتباً قيمة في أدب الأسفار. منهم: رفاعة بك الطهطاوي، وعلي باشا مبارك، وأمين باشا فكري، والشيخ أحمد فارس الشدياق صاحب كتاب (الواسطة في أخبار مالطة) وهو ممتع لذيذ. ومحمد لبيب البتانوني