وكان رحمه الله بين الفئة الممتازة من شعرائنا الذين ازدانت بهم أواخر القرن التاسع عشر وأوائل هذا القرن
ولم يبالغ الشيخ محمد المهدي في أن عدَّه (الشاعر الثاني بعد شوقي)؛ فقد روُيت لي منذ حقبة طويلة بعض قصائده ومقطوعاته، فأحسست من الرصانة والجزالة شيئاً كثير الشبه بشعر المتنبي والبحتري وأبي تمام. وليتني كنت قد دوُّنت إذ ذّاك ما سمعت؛ فإني والله لشديد الأسف على أن أفلتت مني هذه الفرصة. على أني عظيم الرجاء أن يُتاح لأنجاله (وهم - على ما بلغني - من صفوة المثقفين) أن ينشروا هذا التراث، حتى يضيفوا إلى ثروتنا الشعرية - في تلك الحقبة من تاريخ الأدب - فناً ممتازاً
أما الشيخ أحمد زناتي بك فأخو شاعرنا؛ وكان (أحد أساتذة اللغة العربية)، كما قال الدكتور، وتخرج في دار العلوم لنحو خمس وأربعين سنة خلت. فالتحق بخدمة سمو الخديو عباس حلمي، فعينه ناظراً لمدرسة (القبة) التي أنشأها على غرار المدارس الأولية الآن، ليتعلم بها بعض أطفال الطبقة الراقية في ذلك الحي. وكأني أذكر أن سمو الأمير محمد عبد المنعم تعلم بها فترة غير طويلة
وكان أحمد زناتي بك - إلى هذا - من ذوي المكانة والحظوة عند سمو الخديو، يشاوره ويجالسه، ويصحبه في رحلاته الصيفية إلى الآستانة وأوربا
ثم ألقى عصا التسيار في المرحلة الأخيرة من حياته العلمية بوزارة المعارف، فعمل في التفتيش، وتوفي سنة ١٩٢٩ قبل أن يحال إلى المعاش، وتوفي الشيخ عثمان بعده بنحو خمس سنوات، على ما أخبرت
وكان الشيخ أحمد زناتي بك من دماثة الأخلاق وحميد الخلال بالمنزلة السامية؛ كما كان مضرب المثل في جمال البزة وطلاقة المحيا. ولقد خالطته طويلاً، فما رأيته مرة عابساً ولا مكتئباً ولا مضطرباً. وهذا نادر في الرجال