أوجب الدين الإسلامي على أهله أن تختص طائفة منهم بحمله وتبليغه إلى الناس (فلولا نفرَ من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
وأوجب على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الناس إلى السبيل الموصلة إليه (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
وقواعد العلماء كلها متفقة على وجوب السعي إلى نشر الدين وإقناع العباد بصحته، وعلى وجوب حمايته من نزعات الإلحاد وشُبَه المضلين.
وفي الكتاب الكريم آيات كثيرة تحث النظر في الكون وعلى فهم ما فيه من جمال ودقة صنع. وقد لفت النظر إلى ما في العالم الشمسي من جمال باهر، وصنع محكم؛ ولفت النظر إلى ما في الحيوانات من غرائز تدفعها إلى الصنع الدقيق والأعمال التي لها غايات محدودة، وأشار إلى سِير الأولين، وحث على العلم وفاضل بين العلماء والجهال.
وأعمال السلف الصالح وسير العلماء لا تدع شبهة في أن الدين الإسلامي يطلب من أهله السعي إلى معرفة كل شيء في الحياة.
وقد تولى سلف علماء الأمة القيام بهذه المهمة على أحسن وجه وأكمله فخلفوا تلك الثروة العظيمة من المؤلفات في جميع فروع العلم، ودرسوا أصول المذاهب في العالم، ودرسوا الديانات. ودرسوا الفلسفة على ما كان معروفاً في زمنهم، وكتبوا المقالات في الرد على جميع الفرق، وكانت للعقل عندهم حرمته وله حريته التامة في البحث، وكان الاجتهاد غاية يسعى إليها كل مشتغل بالعلم متفرغ إليه.
ولكن العلماء في القرون الأخيرة استكانوا إلى الراحة، وظنوا أنه لا مطمع لهم في الاجتهاد، فأقفلوا أبوابه، ورضوا بالتقليد، وعكفوا على كتب لا يوجد فيها روح للعلم، وابتعدوا عن الناس، فجهلوا الحياة وجهلهم للناس، وجهلوا طرق التفكير الحديثة وطرق البحث الحديث، وجهلوا ما جد في الحياة من علم وما جد فيها من مذاهب وآراء؛ فأعرض الناس عنهم ونقموا هم على الناس، فلم يؤدوا الواجب الديني الذي خصصوا أنفسهم له، وأصبح الإسلام بلا حملة وبلا دعاة بالمعنى الذي يتطلبه الدين!
في الدين الإسلامي عبادات وعقائد وأخلاق، وفقه في نظام الأسرة، وفقه في المعاملات مثل